| رندلى جبور |
بدأت حرب تموز 2006 بحجة أسر جنديين “إسرائيليين”، ولو أن النظريات العسكرية تؤكد أن مثل هذه العملية لا تُشعل حرباً. لكنّ العدو كان بإمكانه الركون إلى أي ذريعة لشنّ عدوانه المعدّ سلفاً، لأنه كان يعتقد أنه قوياً وأن لبنان ضعيف.
موازين القوى كانت آنذاك في صالحه، وفق ما اعتقد، ولذلك اتخذ قراره بسهولة ومن دون تردّد. لم يكن هناك من ردع واضح المعالم من الجهة اللبنانية، ولم تكن المقاومة كشفت أوراقها بعد. أراد القضاء على المقاومة قبل أن يقوى عودها، ولم يفلح، فكيف سيتمكّن من تحقيق حلم القضاء عليها وهي في عزّ قوّتها؟
دخل “الإسرائيلي” في الحرب ـ آنذاك ـ مزهواً وخرج مهزوماًن وكانت كلفة الهزيمة باهظة، وبدأ انتماء الاجيال الاسرائيلية اللاحقة لتموز إلى عصر السقوط، الذي انطلق معنوياً ووصل إلى العسكر والاقتصاد والسياسة والاستراتيجيا، حتى وُضع وجود الكيان بذاته على المحك، وتنامى الحديث عن حرب أهلية، وبات وصف رئيس الحكومة بالكاذب أمراً سهلاً.
“طوفان الأقصى” أكمل قلب المعادلات.
أنفاق “حماس” كشفت النفاق الاسرائيلي، وصمود المقاومة الفلسطينية هزم الاحتلال الذي لم يستطع تحقيق أي من أهدافه.
والبحر الاحمر حاصر “إسرائيل” وحلفاءها، وصار اليمني قوّة استراتيجية تبدّل التكوين العالمي للنظام.
وحشد العراق وفصائله الأخرى، وصل من بغداد الى إيلات على متن صواريخ صائبة.
و”حزب الله” أبعد الاحتلال ومستوطنيه عشرة كيلومترات، ووضع بنك أهداف أثبتت واقعيته الصورة التي نقلها “الهدهد” وهو أعلن عن بعض ما يملك من قوة بالأدلة الحية، وما لم يُعلَن أهم بعد، وما حصل حتى الآن يكفي لتثبيت الردع.
ليس أي قرار دولي هو الذي يخفف من احتمالات توسيع الحرب أو يمنعها، ولا صورة الضعف أمام العدو هي التي تمنعه من المجازفة والجنون، ولا القمم والاجتماعات ذات اللغة البالية والبائدة هي التي تضع حداً للغطرسة الاسرائيلية، ولا “الجلقة” على التطبيع هي التي توقف الممارسات البشعة.
كلّها جرّبناها. وفي ظل كل القرارات والقمم والضعف والانبطاح والتسليم، كانت “إسرائيل” تشنّ حرباً بعد حرب، وتفرض حصاراً بعد حصار، وتمارس إذلالاً بعد إذلال وسرقة حقوق متمادية، وتدمّر وتبطش وتعتقل وتتنقل في أرضنا وتخرق سياداتنا من الجو والبر والبحر.
إن أحداً لم يضع نقطة على سطر القوة الإسرائيلية.. إلا من استخدم القوة لغة والسلاح مقاومة. وإن شيئاً لا يمنع العدو عن اغتصابه.. إلا الصواريخ والمسيّرات والاحداثيات و”الهدهد”.
لو كنا ضعفاء لكانت احتمالات توسيع الحرب كبيرة. أما وقد فرضت المقاومة معادلات القوة، فإن احتمالات التوسيع تبقى ضئيلة، ويخطئ من يظن أن استخدام القوة يستجلب حرباً مدوية.
فما أن عاد “الهدهد” بصوره، وما أن رفع السيد إصبعه محذراً، حتى ارتبك أرباب الحروب أكثر بعد، وسارعت قبرص إلى نفي السماح باستخدام أرضها لشن حرب، وأتت الوزيرة الألمانية لإيصال رسالة بأن لا حرب على لبنان تُطبخ في “إسرائيل”، وتحدثت وزارة الدفاع الاميركية عن ميلها الى الحلول الدبلوماسية، وانخفض منسوب التهديدات.
مع عدو مثل “إسرائيل” وفكر استعماري يحمله الغرب السياسي، لا يمكن لبس ثياب الحمل، بل أثبتت التجارب أن حمل السلاح واجب.
* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها *