/ جورج علم /
لا يمكن الحديث عن إنسداد دولي، ذلك أن المسالة اللبنانية في صلب النقاش الدائر في المنطقة، وحولها، حتى أن الرئيس جو بايدن أتى على ذكر ذلك، خلال المقال الذي كتبه عن زيارته المرتقبة الى المملكة العربيّة السعوديّة، ونشرته “واشنطن بوست”، السبت الماضي، قال: “إن لبنان، والعراق، وليبيا يعانون من الجمود السياسي، علينا معالجة كل هذه القضايا عندما التقي بقادة من جميع أنحاء المنطقة، سأوضح مدى أهميّة إحراز تقدّم في هذه المجالات”.
لا أحد يتوقع حلولاً سحريّة، ولكن لا أحد يدير ظهره للمتغيّرات. زيارة الرئيس الأميركي الى المنطقة حرّكت الجمود. اللقاءات العربيّة ـ العربيّة التي سبقتها، كانت بمثابة التحضير لها، انطلاقا من أن “ما بعد الزيارة، ليس كما قبلها”.
حتى أن حركة السفراء العرب والأجانب لا توحي بإنسداد، ولكنها لا تؤكد على ديناميّة خاصة، أو مبادرة، أو خريطة طريق واضحة تجاه لبنان، بل حركة، من دون بركّة ـ أقله حتى الساعة ـ وهذا ما يطرح علامة استفهام حول الاستحقاق الرئاسي، بمعنى: “أيّ رئيس، لأي وطن، وصيغة، ونظام، ودور، وخصوصيّة؟!”.
لقد راهنت قيادات، وفعاليات على الانتخابات النيابيّة كمسار تغييري، وكانت النتيجة أنها جرت، ولم يحصل التغيير، حتى أن البعض بدأ يترحّم على المجلس النيابي السابق. وجرت انتخابات رئاسة المجلس، ولم يحصل التغيير، وتمّ إنتخاب هيئة مكتب المجلس، ولم تحصل المفاجأة، واستقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وأعيد تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، ولم يحصل أي تغيير لغاية الآن، لا في النهج، ولا في الأسلوب، وبقيت الأزمة تتفاعل، وتتناسل حتى بلغ السيل الزبى!
وانطلق الحديث عن الإستحقاق الرئاسي، من بورصة الأسماء، والترجيحات، وكأن البلاد بألف خير، وتمرّ بطفرة إقتصاديّة ـ إنمائيّة مزدهرة. حتى أن البطريرك بشارة الراعي يتحدث عن مواصفات الرئيس، لا عن مواصفات الحل، ولا عن المشروع الذي ينقذ الوطن من الإرتطام الكبير. التقليديّون يتقدمون باتجاه المنصّة معتمدين على حركة الإتصالات لتأمين الدعم، ووفرة الأصوات. التغييريّون يبحثون عن جمهورية أفلاطون من خلال طروحاتهم المثالية البعيدة عن الواقع المهترىء، فيما الجميع ـ من دون إستثناء ـ ينتظر “الوحي” ليبنى على الشيء مقتضاه!
أصحاب القفّازات الحريريّة يقصدون الديمان، المقر الصيفي للبطريركيّة المارونيّة، أو مقرّات السفارات الكبرى، بحثاً عن دعم. أصحاب النفوذ يبحثون عن مصالحات، وتحالفات، لبلوغ القصر الجمهوري. لقاء النائب فريد الخازن مع جبران باسيل، في دارة الأخير، إستهلك مثقالاً من الحبر والورق للحديث عن مصالحة مع سليمان فرنجيّة، وإمكانية التنسيق، والتعاون في مواجهة الإستحقاق الرئاسي. زيارة وليد جنبلاط إلى عين التينة ولقائه مع الرئيس نبيه برّي اكتسبت صفة الـ”هام جدّا”، وكانت حمّالة أوجه! أما المناظير الدبلوماسيّة، فعدساتها مستنفرة لرصد أي حركة، سواء وراء الكواليس، أو في العلن، وذلك لمقاربتها من زواية الانتخابات الرئاسيّة، والإسترسال في الحديث عن أسماء محتملة، لا عن مشاريع نهضوّية، إلى حدّ أن الهوّة باتت عميقة بين المواطن الذي يبحث عن قوت يومه، والزعيم الذي يبحث عن لقب صاحب الفخامة!
ويبدو أن الحديث عن خطط إنقاذيّة، أو عن برامج عمل رؤويّة، كلام لا يستسيغه النظام اللبناني القائم على المحسوبيّة، والفئويّة، وعلى التحزّب للشخص لا للمشروع. وفيما الغالبيّة تقرّ بهشاشة النظام، وعيوبه، فإن أحداً لا يجروء ـ أو ربما لا مصلحة له ـ المطالبة بتطويره، أو على الأقل معالجة عيوبه ونواقصه. وأمام الشعب الذي يعاني، هل من مرشح، أو من طامح للرئاسة، يملك خريطة طريق انقاذيّة غير “بييّ أقوى من بيّك؟!”.
وفيما يكثر الكلام هذه الأيام عن “مواصفات الرئيس”، يقلّ الكلام عن “مواصفات الوطن”. وهل الأزمة محصورة بالرئاسة، أم بالنظام، والتركيبة، و”الديمقراطيّة التوافقيّة”، و”المحاصصة”، و”مررّ لي كي أمرّر لك!”. المشكلة أن أحداً في هذه التركيبة لا يجروء ـ أو لا مصلحة له ـ أن يضع الإصبع على الجرح، ويقول صراحة: “رئيس لأي وطن، وقد تشلّعت مفاصله؟! ولأي جمهوريّة، وقد تحوّلت الى إقطاعيات، وسناجق، وملحقات؟!”.
وحده صندوق النقد الدولي يملك مشروعاً كامل التوصيفات والمواصفات، واضعاً اللبنانييّن أمام معادلة واضحة: الأخذ بكامل بنوده، او رفضه بالمطلق. ويتردد بأن للصندوق مرشحه لرئاسة الجمهوريّة، وهو موظف كبير يرأس حاليّا أحد فروعه في المنطقة. أما البقية الباقية فتنتظر الخيار الآتي من “تسوية” الكبار. الرئيس بايدن وعد شخصيّاً بأنه سيعالج “الجمود السياسي” في لبنان قبل وصوله الى جدّة، ورام الله، وتل ابيب.
كيف؟
ليس وحده على البيدر اللبناني، هناك الفاتيكان، وروسيا، وفرنسا، والإتحاد الأوروبي، وإيران، والمملكة العربيّة السعوديّة، ودول مجلس التعاون، وسوريا، وتركيا، وإسرائيل… كلها دول لها أهداف، ومصالح، فهل تلتقي على تحديد مواصفات “الجمهوريّة”، قبل مواصفات الرئيس، وهل تأتي “التسوية” بالرئيس، ام يأتي رئيس من الأنقاض، ليعيد بناء وطن من الأشلاء، بإشراف هندسة دوليّة؟!