لبنان على رصيف الانتظار الإقليمي ـ الدولي.. حكومة “الترسيم” أم “الشغور”؟

/ محمد حمية /

مرّت عطلة عيد الاضحى والحكومة الجديدة أسيرة شد الحبال بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، ورهينة الحسابات السياسية لمرحلة ما بعد الولاية الرئاسية الحالية، وانتظار مآل المفاوضات والحوارات الدائرة في المنطقة في أكثر من ملف ساخن، ما يفتح الباب على احتمالين اثنين:

  • بقاء حكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد الحالي، وإلى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم تؤلف أولى حكومات العهد.
  • تأليف حكومة جديدة خلال المهلة الفاصلة عن انتهاء ولاية الرئيس الحالي، لإدارة ما تبقى من العهد، ووراثة “الشغور الرئاسي”، إن حصل، وتتحول الى تصريف أعمال حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

لكن الإشكالية التي تفصح عنها مرجعيات سياسية، هي تزامن وتزاحم الاستحقاقات بين تأليف حكومة ضمن مهلة تنتهي لحظة نهاية ولاية رئيس الجمهورية الحالي في 31 آب المقبل، واستحقاق انتخاب رئيس قبل ستين يوماً من انتهاء الولاية الحالية، أي في الأول من أيلول المقبل. وبالتالي يدور النقاش حول أي من الاستحقاقين هو الأولوية؟ وهل يمكن تأجيل الحكومة الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية؟ وماذا لو تعثّر انتخاب رئيس جديد قبل نهاية الولاية الحالية وبعدها؟ وهل يمكن الإنتقال الى مرحلة الفراغ الرئاسي بحكومة تصريف الأعمال الحالية من الناحية الدستورية وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية الكارثية؟

وفق ما تقول جهات مواكبة لمسار التأليف، لموقع “الجريدة”، فإن “أبواب التأليف الحكومي مازالت موصدة، ولا انفراجات ولا أجواء إيجابية في الأفق، والاحتمال المرجح هو الدخول في أزمة تأليف وفراغ في مجلس الوزراء يمهد لفراغ في سدة رئاسة الجمهورية”. وتكشف عن شبه تسليم بصرف النظر عن تأليف الحكومة والانطلاق برحلة البحث عن رئيس جديد للجمهورية. وتضيف أن انتهاء الشهر الحالي بلا حكومة، يعني استحالة تأليف حكومة ونيلها الثقة خلال شهر واحد ستتحول الى تصريف أعمال بعد أيام قليلة من ولادتها في الأول من أيلول المقبل، وبالتالي الخيار الأقرب للواقع حتى الساعة هو بقاء ميقاتي مكلفاً ومصرفاً للأعمال لآخر العهد، في ظل المعلومات التي تشير الى أن عون لم يحدد موعداً لميقاتي لزيارة بعبدا، لأن الأخير لم يوافق على التعديلات والمطالب التي طلبها عون في آخر لقاء بينهما.

وإن كان الصراع وشد الحبال بين رئاستي الجمهورية والحكومة هو العائق أمام التأليف، لكن الخارج يملك مفتاح التأليف والتسوية السياسية للأزمة اللبنانية في آن معاً، والرئيس ميقاتي ينتظر الضوء الأخضر الخارجي الأميركي ـ الفرنسي للمضي بالتأليف، وهذا الضوء الأخضر ينتظر حسم التوجه الأميركي ـ الفرنسي تجاه لبنان، وإلا كيف استطاع عون وميقاتي استيلاد الحكومة الحالية في العام الماضي بفترة شهر واحد لولا الدفع الفرنسي والتغطية الخارجية لميقاتي، أو على الأقل غض الطرف؟ فلماذا لا تُصرف علاقة الود التي تجمع عون وميقاتي في سوق الصرف الحكومي؟

تتقاطع المعطيات الداخلية مع معلومات ينقلها دبلوماسيون حول أن الملف اللبناني وضع على رصيف الانتظار الإقليمي – الدولي، وينتظر نتائج جملة ملفات في المنطقة، وسيكون جزءاً من عملية تبادل الأوراق بين القوى المتصارعة في المنطقة، وبالتالي المصلحة الأميركية ـ الفرنسية ستكون الحاكمة والمتحكمة بمصير الحكومة والوضع في لبنان عموماً.

ويتحدث مطلعون على مسار المفاوضات في المنطقة عن أن ثلاث مسارات ستلقي بتداعياتها على المنطقة ولبنان.. التفاوض على الخط الأميركي ـ الإيراني في الملف النووي الإيراني، الحوار على خط طهران ـ الرياض، ومستقبل الحرب الروسية ـ الأوكرانية. ويكشف المطلعون أن التوجه الأميركي الجديد هو إرساء هدنة في الإقليم والتفرغ للحرب مع روسيا بسلاح الحصار الاقتصادي ولعبة الغاز والنفط، وستتظهّر المعركة أكثر بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة من بوابة السعودية، وبالتالي هناك ثلاثة خيارات لتشديد الخناق النفطي ـ المالي على موسكو:

  • الضغط على السعودية لزيادة انتاجها من النفط لخفض سعر برميل النفط العالمي لاستهداف روسيا.
  • توقيع الملف النووي الإيراني وضخ النفط الإيراني في السوق العالمي.
  • التسريع باستخراج الغاز من “كاريش” وتصديره الى أوروبا وفق عقود موقعة بين “اسرائيل” وأوروبا، وبالتالي تقليص الحاجة الأوروبية للغاز الروسي الى الحد الأدنى.

ومن هذا المنطلق، قد تتبدل الظروف الدولية باتجاه فرض تسوية في لبنان تبدأ برئيس للجمهورية وإنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية، وفق حل يرضي الطرفين (الخط 23 مع حقل قانا للبنان مقابل كاريش لإسرائيل) وتفعيل عمل شركات النفط في لبنان لاستثمار الثروة النفطية، الأمر الذي سيحتاج الى تسوية وتأليف حكومة سريعة لمواكبة توقيع اتفاقية الترسيم وتنفيذه عملياً.

أما الاحتمال الثاني، فهو تسوية جزئية فتأليف حكومة لإدارة مرحلة الشغور في سدة رئاسة الجمهورية للجم الانهيار فقط، بانتظار تبلور المفاوضات الإقليمية ـ الدولية ورُسو التسوية على البرّ اللبناني تُترجم بانتخاب رئيس وحكومة وانفراج اقتصادي.

مصادر نيابية تحذر من أن عدم تأليف الحكومة بحد اقصى منتصف آب المقبل، سيؤجل تأليفها الى العام المقبل، على اعتبار أن الشغور الرئاسي سيمتد بضعة أشهر قبل أن تتم التسوية.

فهل يستطيع اللبنانيون الصمود الى ذلك الحين؟ وهل يستغل السياسيون التقارب الإقليمي والظروف الدولية وأوراق القوة التي يملكها لبنان، في قطف الثمار السياسية؟ أم سيخرج لبنان من “المولد الإقليمي ـ الدولي بلا حمص”.

إن فشل لبنان بتأليف حكومة مؤقتة تدير الفراغ، وعجزه عن انتخاب رئيس للجمهورية، يفتح الباب على حكومة جديدة تنجز القوانين الإصلاحية الأساسية، سيدخل في فوضى طويلة الأمد، ويصح حينها المثل القائل: “لا بدمّر عيّدنا.. ولا بالشام لحقنا العيد”.