تعرفة الاتصالات “سرقة موصوفة” وإعدام جماعي للشعب.. هل ينفجر الشارع؟

/محمد حمية/

استفاق المواطنون على كارثة جديدة مع دخول قرار زيادة تعرفة الاتصالات والانترنت حيّز التنفيذ، رغم أنهم لم يلمسوا بعد حرّ ناره حتى تنتهي مدة بطاقات التشريج المسبقة الدفع والدولارات و”الجيغابايتس” التي تزودوا بها قبل تطبيق القرار.

قرارٌ هامايوني، هربته في ليلة ظلماء، حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل تحولها الى تصريف أعمال بيومين فقط، في سابقة خطيرة نسبة لحجم القرار وتداعياته، لكنه مرّ من دون أي معارضة حكومية أو سياسية أو نقابية ولا حتى شعبية حتى الآن! ما سيُرتب تداعيات سلبية كبيرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، لا سيما وأن أغلبية اللبنانيين الساحقة يستخدمون نظام الاتصالات و”الانترنت” الذي يشغل مواقع التواصل الاجتماعي، والمحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والشبكة التي تربط العالم بكافة قاراته.

الأغرب في قرار وزير الاتصالات في الحكومة المستقيلة جوني قرم، يكمن بـ”ليلرة” الدولارات الموجودة على أرقام هواتف المواطنين بـ”كبسة زر”، أي تحويلها الى ليرة لبنانية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، فيما باقة الخدمات التي تعرضها شركتي الاتصالات “ألفا” و”أم تي سي” على الزبائن للشراء، سُعّرت بالدولار وفق منصة صيرفة (25200)! ما يُعد نهباً منظماً و”سرقة موصوفة” للزبائن من الشركتين بتغطية من وزارة الاتصالات، ما يُعرض القرار للطعن أمام مجلس شورى الدولة كونه يخالف القانون ويتعدى حدود صلاحيات الوزير والشركتين، فضلاً عن ضرره بالمصلحة العامة وبالاقتصاد الوطني.

يحمل هذا القرار إنعكاسات خطيرة على المواطنين والاقتصاد العام المنهار أصلاً:

*سيتكفل بالقضاء على ما تبقى من أموال في جيوب المواطنين التي تبخرت بنار “نظام رفع الدعم الشامل” الذي تبرع وتكفل ميقاتي وحكومته بتنفيذه، لا سيما على المشتقات النفطية والمواد الغذائية والأدوية والاستشفاء… بعدما تمكن جنون “الدولار” وقفزاته المصطنعة من تجفيف الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية، فجاء رفع تعرفة الاتصالات ضربة قاضية على رأس المواطن الذي كان يهرب من كلفة الاتصالات الهاتفية الخلوية إلى مكالمات “الواتسآب” لتسيير حاجاته بكلفة 60 ألف ليرة لـ (20 جيغابايت) شهرياً، بات الآن مجبراً على تشريج “5 جيغابايت” بحوالي مئتي ألف ليرة لبنانية! ووفق هذه المعادلة الحسابية، فقد تصل تشريجة الاستخدام الشهري المتوسطة تشمل “كارت أيام” ودولار واحد فقط إلى 500 ألف ليرة.

*مزيد من “كربجة” الاقتصاد بسبب تصاعد كلفة الاتصالات على الشركات المالية والتجارية، لا سيما المتوسطة والصغيرة منها، ما سيدفعها الى تقليل الكلفة عبر التخفيف من عدد الموظفين أو زيادة أسعار منتجاتها أو خدماتها، ما سيُرتب أعباء اضافية على المواطنين.

*هذا الارتفاع بالأسعار سينسحب على كافة السلع والخدمات الأخرى، ويتحول إلى تضخمٍ مطّرد ودراماتيكي وسيكبر ككرة ثلج.

*ارتدادات نفسية سلبية على المواطنين الذين ملأت الأزمات والضغوط قلوبهم قيحاً، فكانوا يلجأون الى العالم الافتراضي للتمويه هرباً من العالم الواقعي، لكنهم سيكتشفون بعد أيام قليلة أن عليهم تسديد ثمن كلفة شعورهم باليأس والإحباط.

قرار بهذا المستوى يرتب أعباء مالية على المواطنين، لا سيما الشرائح الشعبية الفقيرة، مطعون بشرعيته، وإن كان دستورياً، لسبب أنه اتخذ قبل يومين من تحول الحكومة الى تصريف أعمال، فيما المنطق يفترض تأجيل الحكومة القرارات الكبيرة في آخر أيامها الدستورية الى الحكومة الجديدة التي ستنبثق عن المجلس النيابي الجديد. وإلا لماذا أرجأت قرار رفع الدولار الجمركي؟

ويرى خبراء اقتصاديون لـ”الجريدة” أن أسوأ الخيارات الاقتصادية التي تلجأ اليها الحكومات في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، هو زيادة الأعباء الضريبية والأسعار، في وقت يتوجب على الحكومة زيادة الانفاق الاجتماعي للحد من والمعاناة اليومية للمواطنين، لا سيما أن الحكومة لم تُجرِ أي تعديل أو تصحيح للرواتب والأجور منذ اندلاع الأزمة، رغم ارتفاع سعر الصرف 20 ضعفاً والذي لحق أسعار مختلف السلع والخدمات والمواد الغذائية، باستثناء المساعدة الاجتماعية للموظفين التي لا تغني ولا تسمن من جوع إن حصلوا عليها كاملة، فيما تصحيح رواتب القطاع الخاص بقي أدنى بكثير من نسبة التضخم.

ما قيمة البطاقة التمويلية وبرامج المساعدات الاجتماعية وأي تصحيح للرواتب والتعميم 161 إذا كانت الحكومة تعطي بيد وتأخذ بمئة يد وتُفرغ جيوب المواطنين برفع الدعم عن كل شيئ؟

كيف تجرأ وزير الاتصالات على اتخاذ هكذا قرار وهل أدرك أبعاده؟ وهل يعي أن “مواقع التواصل الاجتماعي” باتت خبز المواطنين اليومي، وأن قراره سيؤدي الى مزيد من انهيار القطاع التعليمي الذي يعتمد على التدريس عن بعد في ظل الكوارث الطبيعية والأمراض والأوبئة والظروف الاقتصادية والامنية؟ وهل يعلم أن نسبة التعليم عن بعد في الجامعة اللبنانية تصل الى 80 في المئة؟ وهل انقاذ قطاع الاتصالات يكون على حساب قطاعات أخرى لا تقل أهمية؟ وهل رفد موازنة وزارة الاتصالات ودعم الخزينة العامة يتم من جيوب المواطنين؟

واستطراداً.. كيف لنا أن نصدق أن ذاك الشعب اللبناني الذي هبّ وهرع الى الشوارع في 17 تشرين 2019 شاهراً سيف المعارضة على قرار حكومة الرئيس سعد الحريري آنذاك (الذي لم يتخذ أصلاً) بزيادة 6 دولارات على خدمة “الواتسآب”، أنه هو الشعب الذي يصمت اليوم “صمت القبور” على أسوأ تهريبة حكومية؟.. فما الذي يفسر ظاهرة الصمت الشعبي؟ وهل أن “ثورة” 17 تشرين مفتعلة لأسباب سياسية تُخفي مؤامرة وفتنة اقتصادية لأسباب سياسية خارجية، أم أنه تم تم تدجين وترويض المواطنين ليتقبلوا أي قرار ضد مصلحتهم ويصفقون له ولحكومتهم أيضاً؟

هل سيمر هذا القرار مرور الكرام وسيبتلعه الشعب كما ابتلع قرارات أخطر منه، أم سيكون “القشة التي ستقصُم ظهر البعير” ويقع الانفجار الكبير في الشارع خلال الشهر الحالي؟

مصادر سياسية مواكبة للقرار، حملت وزير الاتصالات والحكومة مجتمعة مسؤولية اتخاذه، مشيرة لـ”الجريدة” الى أنه يأتي في سياق مخطط لرفع الدعم الشامل عن كافة السلع والخدمات والمواد الغذائية والأدوية، لتسديد “فواتير” صندوق النقد الدولي بتواطؤ مكونات الحكومة التي لم تحرك ساكناً ولم تنطق ببنت شفة، علماً أن الحكومة نفذت معظم الشروط التي طلبها صندوق النقد من دون حصول لبنان على دولار واحد.

فهل هي حكومة “معاً للانقاذ” أم “معاً لاغراق البلد” أكثر في الأزمات، وسرقة ما تبقى من سيولة لدى المواطنين والتمهيد للانهيار الشامل؟

لا يمكن التكهّن بما سيحصل في قابل الأيام، لكن الأكيد أن اللبنانيين سيُعدمون جماعياً برصاصة الرحمة من مسدس وزير الاتصالات. والأكيد أيضاً أنهم سيترحمون ويتندّرون على حكومة الحريري (2019) ووزير اتصالاتها محمد شقير.