| جورج علم |
جلس في مقصورة القيادة. أمسك بالدفّة. حدّد اتجاهات الريح. وصوّب “المركب” الكويتي نحو شاطىء الأمان.
لم يكن الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بالربان المتريّث المتكل على “صنّارة الأيام”، بإنتظار ما قد تحمله من صيد في بحر عاصف بالمتغيرات والمستجدات، بل بادر، وصارح مجلس الأمة السابق، خلال النطق السامي لتوليه إمارة البلاد يوم 20 كانون الأول الماضي، بأن “هناك عبثاً مبرمجاً حدث في الفترة السابقة بالتوافق بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة”. ودعا حينها إلى “الإهتمام بمعالجة القضايا التي تهمّ المواطنين”.
إنتخب الكويتيّون أعضاء مجلس الأمة في 4 نيسان الماضي. وكان من المفترض أن يجتمع يوم 17 نيسان، بداية دور الإنعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الـ18، لكن أمير البلاد أصدر المرسوم رقم 67 بتأجيل الإنعقاد إلى 14 أيار الجاري لمنح الوقت الكافي لتشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة بعض أعضاء مجلس الأمة، ووفقاً للمادة 56 من الدستور. لكن يبدو أن الإنتخابات لم تحمل رياحاً مؤاتية كما تشتهي أشرعة المصلحة الوطنيّة الكويتيّة العليا. وصدر تهديد من بعضهم باستجواب وزراء سابقين في حال دخولهم التشكيلة الجديدة، إضافة إلى محاولة البعض التدخل في قرار إختيار ولي العهد، علماً بأن أمير الدولة هو الذي يمنح الثقة للوزراء، وهو يعتبر “أبو السلطات”، وفق الدستور الكويتي.
أمام هذا الواقع، صارح الأمير مشعل الكويتيّين بخطاب متلفز، وقال “أمرنا بحل مجلس الأمة (البرلمان)، ووقف بعض مواد الدستور لمدّة لا تزيد عن 4 سنوات، تتمّ خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطيّة”. لافتاً “إلى مرور البلاد خلال الفترة الماضية، بأوقات صعبة كان لها إنعكاساتها على جميع الأصعدة مما خلق واقعاً سلبيّاً”.
ووصف الأمير مشعل الخطوات بأنها “قرار صعب لإنقاذ البلد، وتأمين مصالحه العليا”، مشيراً إلى “تدخلات حدثت من بعض النواب بحق إختيار الوزراء، وولي العهد”.
وأشار أمير الكويت في كلمته إلى “سلوك وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستوريّة الثابتة”. موضحا أنه لن يسمح بأن “تُستغل الديمقراطيّة لتحطيم الدولة، لأن مصالح أهل الكويت أمانة، ويجب صونها وحمايتها”.
ووفقاً للأمر الأميري، تتعلق تلك المواد بعمل مجلس الأمة، ودوره في إصدار القوانين، والمصادقة على الإتفاقيات.
ويُعدّ إعلان الأمير تعليق بعض مواد الدستور، الثالث من نوعه، في تاريخ الحياة السياسيّة في الكويت، إذ سبق ان تمّ إتخاذ إجراء مشابه لأول مرّة عام 1976 خلال فترة حكم الشيخ صباح السالم الصباح. والثانية في عام 1986 خلال فترة حكم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.
وإثر خطاب المصارحة، إنطلقت المسيرة الإصلاحيّة، وصدر مرسوم أميري بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح، وتضم 13 وزيراً، من بينهم: فهد يوسف سعود الصباح نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، وزيراً للدفاع، وزيراً للداخليّة. شريدة عبد الله سعد المعوشرجي، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزير دولة لشؤون مجلس الوزراء. الدكتور عماد محمد عبد العزيز العتيقي، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للنفط. عبد الرحمن بداح عبد الرحمن المطيري وزيراً للإعلام والثقافة… وأمام الحكومة تحديات كبرى، ويحفل برنامج عملها بمواضيع تستدعي السرعة في المعالجة، وأخرى تستدعي المزيد من الدرس والتخطيط. والمتوقع أن يجري تعديل على قانون الإنتخاب، وقانون اللائحة الداخليّة لمجلس الأمة، وتعديل قوانين متعلّقة بالجنسيّة، خلال فترة لا تتجاوز الـ6 أشهر، من دون المساس بمواد الدستور. وإن تعديل آلية تقديم الاستجوابات ضمن اللائحة الداخليّة للمجلس لا يُعدّ مساساً بالدستور، ويحقق ضبطاً لإيقاع الاستجوابات، وتحرير هذه المادة الدستورية من العبث الذي يتسبب دائماً بأزمات لا مبرر لها.
ويقرّ دستوريّون كويتيّون بأن تطوير الدستور، وترشيقه، أمر كان يفترض أن يحصل بعد مرور 5 سنوات من إقراره أول ستينيات القرن الماضي، بعهد الأمير عبد الله السالم الصباح الذي أطلق إسمه تكريما له على قاعة البرلمان الكويتي، ذلك أن بعض المضمون يشلّ يد الحكومة، ويمنح النواب صلاحيات تنفيذيّة “لا مسوغ لها”، مثل وجوب أن يكون منهم وزراء في أيّ حكومة حتى تصبح حكومة شرعيّة، وهذا أمر إتخذه عدد من النواب، خاصة في التشكيل الأخير، لجهة فرض شروط وطلبات على الحكومة، إضافة لسلوكيات أخرى مثل التدخل في صلاحيات الأمير الخاصة طبقاً للدستور، ومنها صلاحيّة إختيار ولي العهد.
ومن الأسباب الموجبة، وغير المعلنة، أنه لا بدّ لدولة الكويت من أن تخلع رداء البيرقراطيّة المرقط بالفساد، لتحلّق عالياً ضمن السرب الخليجي حيث تشهد دوله فورة إصلاحيّة، تطويريّة، تحديثيّة غير مسبوقة، تحاكي تحديات الحاضر، وتطلعات المستقبل.
ومن قصر “السيف” خاطب أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح شعبه لملاقاته في مسيرة الإصلاح والنهوض.
وكان التجاوب العريض لأن الديمقراطية حاضرة في وجدان الشعب الكويتي، وهناك عهد ووعد بأن تمضي الأمور بسلاسة وشفافيّة.