قمّة عربيّة أمام منعطف مصيري

| جورج علم |

تتجه الأنظار نحو المنامة. إنه أسبوع القمة العربيّة الدوريّة في البحرين. وزير الخارجيّة والمغتربين عبد الله بو حبيب إعتذر من نظيرته الكنديّة السيدة ميلاني جولي التي ستزور بيروت، كونه لن يتمكن من استقبالها لإنشغاله بالإجتماع الوزاري التحضيري للقمة. الحدث مهم من حيث توقيته، وبدأ يأخذ مساحة من الإهتمام في الصحافة الدوليّة.

ما هو المهم والأهم؟

يقول الدبلوماسي العربي المتابع: المهم معرفة نسبة المشاركة. من سيحضر؟ من سيقاطع؟ مستوى الوفود؟ ما هي الأوراق الواردة مع كل وفد إلى الإجتماعات التحضيريّة؟ ماذا سيتضمن البيان الختامي من قرارات وتوجهات؟ وما هو الجدّي منها القابل للتطبيق، و”الإفتراضي” الذي يحتاج إلى آليات عمل خاصة، مختلفة، غير متوافرة الآن.

أما الأهم فيتصل بعلامات الإستفهام التي تزنّر القمة كأحزمة ناسفة. “تجتمع تحت سقف الأمر الواقع”. ليست مخيّرة في إعداد جدول الأعمال. لقد أعدته “حماس”، و”طوفان الأقصى”، وفيضانه التدميري الكارثي على قطاع غزّة، ورفح، و”جبهات المساندة”، وما وراء هذه “الجبهات” من دول، ومخططات، وحسابات، وصراع مصالح لا يزال مفتوحا على كل الإحتمالات، والخيارات؟!

تقف القمّة أمام هذا الشلال الدافق بالتحديات الصادمة. تشكّل الدولة الفلسطينيّة المحور، وحوله يدور البحث في “مواصفات اليوم التالي” إنطلاقا من بوابة قناة السويس، إلى باب المندب، مع التأكيد بأن من يتولّى جدول الضرب والقسمة هي الولايات المتحدة، ومعها “ضمّة” من الدول النافذة في الشرق الأوسط، وعلى المسرح الدولي.

والمشكلة المطروحة مثلّثة الأضلع:

الضلع الأول ـ كل دولة عربيّة فيها ما يكفيها. وبإستثناء بعض الدول، وتحديداً الخليجيّة، يصعب الحديث حول من يبقى صامداً فوق الغربال عندما يكمل دورته، من ليبيا، إلى تونس، إلى السودان، إلى مصر المنهمكة بحماية سيناء من “تسونامي” رفح، إلى لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، ومجنّحات البحر الأحمر! دول عربيّة منشغلة بأزماتها الداخليّة، منهمكة بشؤونها وشجونها، وبالضغوط والتدخلات الخارجيّة التي تقرّر، وتبرّر.

الثاني ـ أن المجتمعين في قاعة القمة، يتفاعلون مع الحدث، تنقصهم القدرة والإمكانيّة على فرض الحضور. ناصية القرار ليست عندهم. يتابعون ما يصدر عن البيت الأبيض، والبنتاغون، ووزارة الخارجيّة من قرارات، و”تعليمات”، ويتسقطون تردداتها في كل من موسكو، وبكين، وبروكسيل، وطهران، وتل أبيب، وأنقرة، وعواصم دول أخرى منخرطة، أو ضاغطة. الكل هنا. المسرح محشور بالممثلين، والمخرجين، فماذا بقي للعرب؟ أي دور؟ ووفق أي سيناريو؟!

لقد صوتت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بأكثريّة 143 صوتاً للقضيّة الفلسطينيّة. هل بوسع القمة العربيّة أن تضيف خطوة يإقناع الولايات المتحدة عدم إستخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، كي يكمل المسار الدبلوماسي طريقه نحو حل الدولتين؟ إنه التحدّي الكبير في سنة الإنتخابات الأميركيّة. والصوت التقريري، المرجّح، داخل بعض الولايات، يزداد قوّة وتأثيراً، فهل من جملة مفيدة يمكن أن تقدّمها القمة، كي يكتسب “سيناريو حل الدولتين” صدقيّة، وجدارة؟

الثالث ـ قد يقف الملوك والرؤساء والأمراء العرب على المنصّة لأخذ الصورة التذكاريّة. وليس من مشكلة قد تعترض صدور البيان الختامي، أو ما يعرف بـ”بيان المنامة”. لكن ماذا عن اليوم التالي، والشرق الأوسط في مهبّ رياح التغيير، وقد صنّفته الصحافة البريطانيّة “بطبق الجبنة الذي يتنافس على تقاسمه الأميركي، و”الإسرائيلي”، والإيراني، والتركي، والصيني، والروسي، والأوروبي”؟

وخلال جولته السابعة في المنطقة، منذ السابع من تشرين الأول، تحدث وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن عن إتفاق أمني مع المملكة العربيّة السعوديّة يكتمل بدره عند تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وبعد التوصل إلى تفاهم حول اليوم التالي في غزّة، ومسار حل الدولتين.

والمياه التي تجري تحت جسر الجامعة العربيّة لا يستهان لا بمنسوبها، ولا بمساراتها، والدفع بإتجاه تحويلها إلى جامعة إقليميّة مفتوحة تضمّ في عضويتها عرباً وأعاجم، بدأ يكتسب قوّة وصدقيّة في ظلّ تضعضعين:

الأول ـ الضعف المسترسل، والساري المفعول في مؤسسات الجامعة، فلا هي “إتحاد أوروبي” ناهض بمؤسساته التنظيميّة، التطويريّة. ولا هي “مجموعة بريكس” تشق طريقها صعوداً، وتجذب إلى مقصورتها المزيد من الأعضاء الجدد. لقد حافظت الجامعة حتى الآن على الهويّة والإنتماء، ولكن البيت قد تحوّل إلى منازل كثيرة، وحطّم “الربيع العربي” الكثير من الأبواب والنوافذ، وترك الفناء مشرّعاً أمام رياح التدخلات الخارجيّة المدمّرة.

الثاني ـ البراكين الثائرة المتفجّرة داخل كل دولة، من غالبيّة الدول الأعضاء. وقد تحوّل مجلس الجامعة إلى بناء شامخ مشقوع بحجارة كلسيّة يصيبها التآكل من داخل وخارج، فكيف السبيل إلى الترشيق؟ ومن هو القادر على إطفاء الفوهات المشتعلة؟ ومتى؟!

ويبقى لأصحاب الجلالة والسيادة والفخامة، الفرصة المتاحة لإكتشاف المنعطف بتفرعاته، وإختيار الوجهة، والصعود إلى القطار المتجه نحو الهدف، بدلاً من الإسترسال في قاعة الإنتظار. ما يشجعهم على ذلك، أن “طوفان الأقصى” قد تحوّل إلى إعصار مدمّر أخذ في طريقه الكثير من السدود والروادع. والذين فتحوا الجبهات لا يملكون القرار، ولا القدرة على وقفها، ولا حتى المواعيد. آخر العنقود، سؤال وجهته وزيرة خارجيّة هولندا في ختام زيارتها إلى بيروت مؤخراً: “متى ستنتهي حرب الجنوب؟”، فأجابها المسؤول مرتبكاً: “الأفضل أن تسألي الأميركان.. وبعض الجيران”!

* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها *

error: Content is protected !!