أسعار الاتصالات تحلّق.. أين “الثوّار”؟!

/سارة طهماز/

بعد أن استفاق اللبنانيون في تشرين 2019 على سرقة أموالهم من المصارف، وبعد ما يعيشونه من معارك يومية لتوفير قوتهم في ظل الأزمة المستفحلة، استفاقوا في الأول من تموز 2022 على سرقة أخرى، فبعد أن عمدت شركات الإتصالات في لبنان على تحويل رصيدهم من الدولار إلى الليرة اللبنانية، أعادت إحتسابها على سعر منصة صيرفة، “ناهبةً” بكل ما للكلمة من معنى رصيد الناس، وبدل أن توازي أموالهم بمثلها أو ما يعادلها، قامت بنسف الرصيد وتحويله إلى سعر صرف الدولار بحسب منصة صيرفة.

كلفة الاتصالات 4 أضعاف!

إذاً، تمت مضاعفة كلفة الاتصالات بمعدل 4 أضعاف منذ الأوّل من تموز، وستزيد أو تقلّ قليلًا بحسب تغيّر المنصّة ووفقًا لباقة الإنترنت التي يختارها المستهلك، وذلك بناءً على قرار مجلس الوزراء.

وتعتمد الوزارة في عملية الاحتساب الجديدة، المعادلة الآتية: جميع أسعار باقات الإنترنت والبطاقات المسعّرة اليوم بالدولار، يقسم سعرها على ثلاثة ويُضرب بسعر صيرفة لتحديد سعر مبيعها بالليرة اللبنانية.

كما أنّ بطاقتين مسبوقتي الدفع طُرحتا في السوق مع بداية تموز، الأولى سعرها 4.5 دولارات والثانية 7 دولارات، على أن يجري بيعهما حسب سعر منصّة صيرفة. الأولى تتضمن 500 ميغابايت و10 رسائل نصيّة و10 دقائق للاتصال، والثانية تتضمن 1.75 جيغا بايت و5 رسائل نصّية و5 دقائق للاتصال.

وفي ما يتعلّق بسعر دقيقة البطاقات المسبقة الدفع، فهي اليوم 25 سنتًا تُضرب بسعر الدولار الرسمي (1514)، وتصبح 8 سنتات، وبعدها تضرب بسعر منصّة صيرفة. كذلك الأمر بالنسبة إلى سعر دقيقة الخط الثابت، تكلفتها اليوم 11 سنتاً وفق سعر الدولار الرسمي، وستصبح 3 سنتات، لكن وفق سعر صيرفة.

ما حصل في ما يخص الإتصالات والإنترنت، أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي التي وجد فيها اللبنانيون متنفسًا للتعبير عن غضبهم، فيما كانت ردة فعلهم مختلفة عن تلك التي ظهرت في العام 2019، حين أقر وزير الإتصالات اَنذاك محمد شقير زيادة 6 دولار على الاتصالات الخاصة بتطبيق الواتساَب، “قامت الدنيا ولم تقعد” ونزل اللبنانيون إلى الشوارع، أما اليوم فربما تخدّروا لكثرة المصائب التي تنهال على رؤوسهم ورضخوا للأمر الواقع.

العديد من المواطنين نشر ما كان في رصيده قبل وبعد “النهبه الكبرى”، بحسب ما عبّروا عنها، والبعض الاَخر نشر رسائل شركة الإتصالات متهكماً على مضمونها، كما أن البعض استنفر افتراضياً على الخدمات الرديئة والكلفة المرتفعة، حيث أن لبنان يعتبر الأغلى عالميًا بأسعار الإتصالات والإنترنت.

الأسعار “مقبولة”!

وبحسب وزير الاتصالات، فإن هذه الأسعار تعتبر “مقبولة”، ويمكن للبناني تحملها، لا بل حتى إنه يرى أن قيمتها انخفضت مقارنة مع ما قبل الأزمة الاقتصادية. قد يكون الوزير محقاً بذلك بالنسبة لأصحاب الدخل بالدولار الأميركي، ولكن هذه المقارنة غير عادلة بالنسبة للبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. فالعامل الذي يتقاضى مليوني ليرة، هل يمكنه تسديد 10 في المئة من راتبه للإنترنت فقط؟!

يرى خبير إقتصادي أن الاتصالات خدمة عامة وإحدى وظائف الدولة الرئيسة، ويجب ألا تتعاطى معها الدولة من باب الربح، بل من منطلق تأمين الخدمة المطابقة للمواصفات للمواطن والزائر السائح، كدلالة لجلب الاستثمار وتحريك عجلته النائمة، خصوصاً أن شركات الاتصالات (من الخلوي إلى أوجيرو ـ هاتف لبنان) أصبحت مملوكة من الدولة. ثم ماذا عن المشكلة المترتبة نتيجة غلاء أسعار المازوت من أجل تشغيل المحطات إضافة إلى الصيانة؟ إن أبسط المعادلات تقول بأن المنطق الاقتصادي يدفع إلى التفكير كأي تاجر، لكن هذا المبدأ لا يكون صائباً بالنسبة للقطاعات المملوكة من الدولة، ومن ثم طالما أن الدولة هي المسؤولة عن القطاع، يجب أن تبقى الخدمة متوفرة بالجودة وبالسعر المقبول، الذي يتلاءم مع مدخول الناس الذين لا زالت رواتبهم تبكي على حال أصحابها، وتسأل معهم كيف يعيش اللبنانيون مع هكذا أسعار تأكل الرواتب؟!

 كيف الحل؟

تشير الأرقام إلى أن قطاع الخلوي يحتاج إلى مصاريف وتكاليف، بغض النظر عن كيفية إدارتها، وهي تقدر بنحو ـ254 مليون دولار سنوياً، في المقابل لا تتجاوز مداخيل الشركتين 70 مليون دولار سنوياً خلال عامي الأزمة التي شهدها لبنان، وحتى اليوم. ولو لم يتم اللجوء إلى هذه الخطوة لكان مصير القطاع الانهيار والانحدار. كذلك فإن أوجيرو (هاتف لبنان)، تحتاج يومياً إلى ما يفوق 70 طناً من المازوت لتشغيل المولدات الخاصة بشبكة الاتصالات، وإيصالها إلى 303 سنترالات تملكها الهيئة على كامل الأراضي اللبنانية، في وقت يتراوح سعر طن المازوت المباع للدولة قرابة 700 دولار، وهو رقم مرشح للارتفاع مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً. كذلك تحتاج هيئة أوجيرو إلى مبلغ يتراوح بين 1.2 مليار ليرة و1.5 مليار ليرة لتشغيل المولدات.

وعليه، إن أوجيرو تدفع مبلغ ستة ملايين دولار سنوياً لاستجرار الإنترنت من أوروبا وأميركا، كتكاليف لخدمة 800 ألف مشترك بالهاتف الثابت و450 ألف مشترك بخدمة الإنترنت، فبات رفع سعر التعرفة بحكم المؤكد.

نحو أمر واقع أم حراك جديد؟

إن قرار رفع تعرفة اشتراك الإنترنت والاتصالات بات أمراً واقعاً في ظل حكومة تصريف أعمال لا تملك حولاً ولا قوة. لا يبدو الخوف من التداعيات التي قد تحصل آنياً على الأرض، من تظاهرات واحتجاجات، كما حصل في بداية حراك 17 تشرين الأول 2019.