إنتخابات رئاسيّة.. إعتباراً من حزيران؟

/ جورج علم /

“أعلن الناطق الرسمي للفاتيكان أن البابا فرنسيس قرر إرجاء زيارته الى لبنان بسبب دواع صحيّة”، والتي كانت مقررة في شهر حزيران.

إنتهى الخبر هنا، ليبدأ هناك، وهنالك، على وقع المقاربات المصريّة ـ السعوديّة ـ الفرنسيّة ـ الأميركيّة ـ الأمميّة للملف اللبناني.

بعد يومين، أعلن الفاتيكان أن “البابا فرنسيس سيزور كندا في نهاية تموز، لمدة أسبوع حيث يتوقع أن يلتقي خلالها سكانا أصليين نجوا من انتهاكات ارتكبت في مدارس داخلية تديرها الكنيسة”.

فماذا في التفاصيل؟

قرار الإرجاء لم يكن فاتيكانيّاً، بل نتيجة اتصالات مكثّفة جرت على أرفع المستويات، وشملت عواصم دول القرار المعنيّة بالمصير اللبناني. ويتولّى حيّزاً كبيراً منها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير خارجيّة الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد غالاغر، وتشمل عواصم، ومقامات، ومرجعيات عربيّة، ودوليّة مهتمة بمسار التطورات في الشرق الوسط، وتأثيراتها على العديد من دوله، بينها لبنان.

تمحورت تلك الاتصالات، بداية، حول “الجدوى من الزيارة، في هذا التوقيت”، خصوصاً أنها “فرع مرتبط بأصل، والأصل كناية عن خريطة طريق مرسومة للمصير اللبناني، بحيث تأتي الزيارة كوسيلة تخدم الغاية، وكمحطة على الطريق المؤدي الى وضع الخارطة موضع التنفيذ”.

وتبيّن أن من بين العناصر الرئيسيّة التي فرضت قرار الإرجاء، التبديل في سلّم الأولويات، بحيث تلي الانتخابات النيابيّة، انتخابات رئاسيّة.

ومن الأسباب الموجبة:

  • إن زيارة المونسنيور غالاغر الى بيروت في شباط الماضي لم تكن سياحيّة، بل سياديّة تناولت مصير الصيغة، ومستقبل الكيان، ومنسّقة بشكل جيد مع دول ومرجعيات مؤثّرة، ومعنيّة.
  • إن دعوة البطريرك بشارة الراعي الى إنتخاب رئيس للبلاد قبل ستة أشهر من إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لم تأت من فراغ، ولا من باب التمنيات، بل هناك أساس يبنى عليه.
  • هناك سابقة اعتمدت كبوابة حل، وبداية خلاص، عندما انتخب الرئيس الياس سركيس رئيساً للجمهوريّة، قبل ستة أشهر من إنتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجيّة، لتلافي الفراغ.
  • إن انتخابات 15 أيار، وما أفرزته، شكّلت قوّة دفع لخريطة الطريق المرسومة، كونها جرت في موعدها الدستوري، رغم كل التوقعات باستحالة إنجازها، وكونها أيضاً، أعطت إشارات قويّة حول إمكانات التغيير.
  • إن الخريطة السياسيّة للمجلس النيابي المنتخب، حملت مؤشرات ثلاثة: توزّع القوى السياسيّة كتلاً فسيفسائيّة تعكس النسيج اللبناني الطائفي، التعددي، الموزاييكي، بحيث لا يشكّل أي منها أكثريّة دستوريّة مقررة. واستحالة قيام “جبهة برلمانيّة لبنانية عريضة” في القريب العاجل، بقيادة موحّدة، تضمّ كل الكتل التي تلتقي على شعارات سياديّة جامعة. وتلويح البعض بالتهديد على قاعدة “إما أن يكون وفق ما نريد، أو أن نفرض ما نريد، وفق ما يجب أن يكون”.

لهذه الأسباب، وغيرها، طرأ تعديل على المسار التنفيذي للخريطة، على أن يصار الى اعتماد “الأسلوب المعاكس”، وإحداث تبديل في “سلّم الأولويات” على قاعدة “تبديل أولويات الإستحقاقات”، فيصار الى إجراء انتخابات رئاسيّة، كأول إنجاز وطني يقدم عليه المجلس النيابي المنتخب”.

ومن المسلّم به، أن المسار الدستوري يقضي أن تبدأ ولاية المجلس المنتخب رسميّاً في 22 أيار، على أن يبادر الى عقد جلسة برئاسة أكبر الأعضاء سنّاً، لانتخاب رئيسه، وهيئة مكتبه، وتصبح بذلك الحكومة الحاليّة مستقيلة، لتبدأ في ما بعد الإستشارات النيابيّة الملزمة لاختيار شخصيّة، وتكليفها بمهام تشكيل حكومة جديدة، تشرف على الإنتخابات الرئاسيّة، أو تتولى تسيير المهام الرئاسيّة في حال حصول فراغ.

ما يجري راهناً على المستوى الدولي، هو مجرد محاولة للإلتفاف على الأزمة، والسعي الى إحتضانها قبل أن تنفجر في جسم الوطن، وتحوّله الى أشلاء مبعثرة، عن طريق اعتماد مقاربة جديدة تؤدي إلى:

أولاً، إحترام الإستحقاقات، لكن مع تبديل في المهل، والأولويات، من دون المساس بالروحيّة الدستوريّة، أو بالأهداف الوطنيّة.

ثانياً، التدرّج من الإنتخابات النيابيّة، الى الإنتخابات الرئاسيّة، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، تكون بمثابة مجلس تأسيسي للبنان الجديد، تتبنى خطة وطنية إصلاحيّة ـ إنقاذيّة، تحظى بدعم المجتمع الدولي، وصندوق النقد، والبنك الدولي، وتكون في الوقت نفسه بمثابة هيئة حوار وطني حول الملفات التي لا بدّ من مقاربتها بروح عالية من المسؤولية، كمعالجة العيب والخلل في بعض بنود دستور الطائف، والذي كشفته الممارسة، إلى ملفات ترسيم الحدود، واستخراج الغاز والنفط، وملفات النزوح واللجوء… الى سائر الملفات التي لا بدّ من “فقي دُملها” حتى لا تتحوّل الى حالات سرطانيّة.

ثالثاً، إذا تعذّر، لسبب أو لآخر، تشكيل حكومة على هذا القدر من المسؤولية، عندها يكون البديل “مؤتمر دولي برعاية الجامعة العربيّة، والأمم المتحدة”، يفرض تسويّة، ويضمن حسن سير تنفيذها.

في الخلاصة، إن تفاقم الأزمات، من الرغيف، الى البنزين، إلى جنون ارتفاع الدولار.. إلى.. إلى.. إنما هي تباشير ضغط لفرض الإنتخابات الرئاسيّة كخيار حتمي، وممر لا بدّ من عبوره!