/ كارلا قمر /
الانتخابات النيابية لعام 2022 في لبنان، هي أشبه بمعركة وجود بالنسبة للأطراف المتنازعة على السلطة.
قد تكون المحاور المتنافسة، أكثر تخوفاً هذه المرة، خصوصاً أن مرحلة ما بعد الانتخابات تحمل العديد من علامات الاستفهام والغموض، لأن الاستحقاق الانتخابي المرتقب يأتي بعد تراكماتٍ من الحوادث التي مسّت المواطن بأغلى ما يملك، ألا وهي حياته كما حياة أبنائه.
لعل أسوأ ما يمكن ذكره من هذه الحوادث، هو “تفجير” المرفأ، إلى جانب حوادث أخرى، كإنفجار خزان الوقود في بلدة التليل في عكار، وصولاً إلى غرق “مركب الموت” في طرابلس، إضافة إلى عدد لا يحصى من الحوادث المتكررة والتي لا تقل أهمية عن غيرها كونها سلبت حياة العديد من الأبرياء.
هنا، لا يمكن غض النظر عن الانهيار العام في البلاد، والذي طال جميع الأصعدة، من دون استثناء، فأتت نتائجه موجعة، ومتمثلةً بتدفق الشباب نحو الخارج.
ولا يمكن أن ننسى التغييير المفصلي، الذي أحدثته ثورة 17 تشرين، التي أفرزت وجوهاً جديدة، قد تخلق تخوفاً عند البعض لما قد يحصل في الأيام القليلة التي تسبق معركة الانتخابات، كما المرحلة المقبلة التي تلي هذه المعركة.
بالنسبة للمواطنين، والذين منحهم قانون الانتخابات في لبنان، حق الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يمثلهم في السلطة، فإن الاقتراع، هو حق دستوري، يسمح لمن تتوفر فيه شروط الناخب، المشاركة في التصويت. هذا يعني أن الإدلاء بالصوت، هو حق تكفله النصوص القانونية، كما أنه واجب وذو قيمة وطنية. ويحمل الفرد مسؤولية تجاه ذاته ومحيطه، لأنه المدخل الدستوري للمشاركة في الحكم، وإبداء الرأي بالسلطة والحاكم.
والتصويت يضع أمام صاحبه عدة خيارات، منها التجديد لشخص قام بواجبه التام تجاه الوطن والشعب. أو اختيار شخص جديد قد يكون قادراً على استلام زمام الحكم وتحمل مسؤولية كبيرة تشمل حياة المواطنين، والقدرة على تأمين أبسط حقوقهم المعترف بها قانونيا. بينما الخيار الثالث، والذي هو أقل تأثيراً، فيتمثل بإسقاط الورقة البيضاء. أما عدم الانتخاب، فهو يعني التخلي المباشر عن الحق والواجب في ظل النظام الديمقراطي.
الصوت الانتخابي، الذي قد يهمل البعض دوره ويقلل من قيمته، هو فعلياً المساهم الأول في عملية الإصلاح.
من هنا، فإن المشاركة في العملية الانتخابية، تعد واجباً وطنياً، إلى جانب كونها استحقاق دستوري، ويتطلب مشاركة جميع المواطنين، والمشاركة الشعبية في صنع القرار.
الشعب هو عنصر أساسي من عناصر الدولة، ومشاركته في الحكم عبر العملية الانتخابية هي أول خطوة في سبيل إدخال النظام الديمقراطي حيّز التطبيق.
قد يفقد الشعب ثقته بهذه العملية، إلا أنه يبقى الوحيد القادر على تغيير واقع حياته، لأن العيش الكريم يرأس لائحة حقوق الإنسان في أي بلد، وعلى الأفراد السعي لاسترجاع ما هو حق لهم في الأساس.
بحسب بعض استطلاعات الرأي، هناك عدد كبير من المواطنين المتجهين نحو مقاطعة هذا الحق. والعودة إلى انتخابات 2018، تبيّن أن نسبة المقاطعين للانتخابات النيابية وصلت إلى حوالي ال51% من الناخبين، بحسب بيان وزارة الداخلية آنذاك، إذ لم يشارك إلا 49.2% من الناخبين في عملية الاقتراع.
ومن أسباب المقاطعة التي أدلى بها بعض المعلقين السياسيين والإعلاميين، غياب الثقة بقدرة التصويت على التغيير، معتبرين أن لا فائدة منه. إلا أن تلك الخطوة لم تعد بالفائدة على الشعب، لا بل أفادت السلطة عينها. فمقاطعة الانتخابات لا تعني سوى التعبير عن الرفض والنفور من دون أي جدوى سياسية ملموسة.
صحيح أن الانتخابات هذه المرة هي معركة وجود عند بعض القوى السياسية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو “وجود من”؟
بالنسبة للبنانيين، هي معركة وجود للبنان، ووجود شعبه الذي أصبح ينازع، وبشدة، كي يلتقط أنفاسه تحت عبء التحديات العنيفة التي تواجهه على مختلف الأصعدة.