| زكية الديراني |
بسحر ساحر، ركّب وزير الإعلام بول مرقص مجلس إدارة جديداً لـ«تلفزيون لبنان»، ورفع كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء يقترح فيه تعيين مقدّم نشرات الأخبار في lbci الصحافي بسام أبو زيد، رئيساً للمجلس الجديد. وضَمّ إلى المجلس لثلاث سنوات كلاً من: الصحافي محمد نمر زكريا مصطفى، والمخرج شربل جرجس خليل، والمخرج دان طانيوس حداد، والمنتجة لما صادق الصباح، وسلمان زهير الريِّس.
لكنّ الإعلام اللبناني قرأ الخبر على عجل، حاسماً خطوة تعيين أبو زيد، معنوناً أخباره على تقديم التهاني والتبريكات للمقدّم المحسوب على حزب «القوات اللبنانية». لكن لا يزال من المبكر الحديث عن تعيينات جدية في «تلفزيون لبنان». على أن تحدّد تلك الخطوة في جلسة مجلس الوزراء التي ستُعقد اليوم الخميس، وعلى جدول أعمالها ملف التعيينات في الشاشة الوطنية.
ولكن، على أي أساس اختير الرئيس والأعضاء في التلفزيون الذي انطلق في خمسينيات القرن الماضي؟
بحسب المعلومات فإنّ الوزير مرقص (المحسوب على رئيس الجمهورية جوزيف عون)، فتح أخيراً ملف التعيينات في التلفزيون. وفي غضون أيام فقط، استقبلت الوزارة طلبات المرشحين، وأُقفل باب الترشّح الأسبوع الماضي. وتوضح المصادر أنّه تمّ اختيار الأعضاء بناءً على المحسوبات الطائفية، بينما حسم وزير الإعلام اسم رئيس المجلس. مع العلم أنّه رشّح اسمين من حزب «القوات» لذلك المنصب، أحدهما بسام أبو زيد. وكان الأخير يسعى إلى ذلك المنصب في عهد وزير الإعلام السابق ملحم رياشي، ولم تتحقّق أحلامه إلا مع مجيء مرقص الذي تربطه به علاقة صداقة.
في السياق نفسه، اعتبر متابعو ملف التلفزيون أنّ هذه الخطوة تطرح عدداً من علامات الاستفهام، وقد تثير خلافاً حول الأسماء التي طرحها وزير الإعلام، بالتالي سُرِّبت إلى الفضاء الافتراضي لإثارة البلبلة.
بالفعل، هذا ما حصل. فقد أثار المجلس المُقترح، جدلاً في الأوساط الإعلامية، خصوصاً أنّ المجلس الجديد المُقترح لتولّي إدارة «تلفزيون لبنان»، محسوب على جهات سياسية معروفة في البلد. بالتالي رأى بعضهم في الأسماء المُعيّنة، طغياناً للون سياسي واحد لا يتماشى مع سياسة «تلفزيون لبنان» الذي يُفترض أن يكون قناة كل اللبنانيين. وشبّه بعضهم المجلس الجديد بأنه يصلح ليكون مجلساً في قناتَيْ mtv (ميشال المر) أو lbci (بيار الضاهر)، ولكنه لا يحترم الطبيعة الخاصة بهوية التلفزيون الذي يجمع الأطياف اللبنانية.
على الضفة نفسها، تتساءل المصادر حول الاتفاق الذي حصل لترشيح الأسماء المذكورة. مع العلم أنّ هناك من بين أعضاء المجلس، أسماء تعرّف عن نفسها بأنها محلّلة سياسية وتحلّ ضيفةً على البرامج السياسية، ليكون السؤال: كيف سيقود المجلس الجديد «تلفزيون لبنان» في ظل الانقسامات بين أعضائه؟ وفي حال جرى التعيين، فهذا يعني أنّ الشعارات الرنّانة التي نادى بها العهد الجديد وحكومة نواف سلام، قد ذهبت مهبّ الريح، لناحية عدم خضوع التعيينات للمحاصصة السياسية والطائفية.
في المقابل، لفتت المصادر إلى أنّ «تلفزيون لبنان» الذي يشبه «مغارة علي بابا»، لكثرة ملفاته الغامضة، شهد في السنوات الأخيرة مطبّات عدة كادت أن تودي به. بالتالي، إنه يحتاج إلى مجلس إدارة يتمتّع بخبرة في إدارة الأزمات الإعلامية، وبمعرفة في أصول التفاوض مع الجهات المانحة لتحسين وضعه من الناحيتين التقنية والمالية، خصوصاً أنّ أبرز العقبات في التلفزيون تتعلق برواتب الموظفين المتدنّية بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، إلى جانب ملفات الفساد الذي يعشّش في التلفزيون والعدد الفائض من السياسيين.
يُذكر أنّه رغم تعاقب عدد من وزراء الإعلام على الحكومات السابقة، إلا أنّهم لم ينجحوا في تعيين مجلس إدارة جديد في التلفزيون منذ عام 2017، أي بعد إقصاء طلال المقدسي عن مهماته، ليتم لاحقاً تعيين حارس قضائي على التلفزيون، لمتابعة سير العمل. وظلّ التلفزيون في السنوات الثماني الأخيرة يصارع من أجل بقائه. ورغم الجهود التي قام بها وزير الإعلام السابق زياد مكاري في معالجة قضايا التلفزيون، لكنّه اصطدم بالمحسوبيات السياسية التي تتجذّر في أروقة الشاشة الوطنية.
سلام يجمّد قرار مرقص: هل من صفقة مع شركة الصباح؟
قالت مصادر وزارية لـ«الأخبار» إن البند المتعلّق بمجلس إدارة تلفزيون لبنان أطيح به ولن يُعرض على مجلس الوزراء، بسبب الاعتراضات التي جرت حوله، ولأن المعنيين اعتبروا أن الوزير «قفز فوق الآلية الحكومية ولأن الأسماء كما هي مطروحة تعبّر إما عن اختيارات شخصية أو محاصصة»، وهو ما دفع رئاسة الحكومة لنفيها، والتأكيد أن «هناك آلية للتعيينات، وكلّ تعيين سيمرّ عبرها حكماً».
وقالت المصادر إن المعترضين على الطريقة التي سُرّبت فيها المعلومات فتحت باباً للنقاش حول السبب الذي يدفع إلى استثناء مجلس إدارة تلفزيون لبنان من الآلية ومخالفتها والمعايير التي استند إليها الوزير لوضع الأسماء، حتى لو كانت مؤسسة عامة تتمتع باستقلالية مالية وإدارية.
يشار إلى أن ما حصل، عاد وتبيّن من خلال مداولات لمعنيين، أنّ الوزير مرقص دعا إلى فتح الباب لتلقّي طلبات الراغبين بشغل هذه المناصب، لكن تبيّن أنه تواصل مع عدد معيّن من الصحافيين، وطلب إليهم تقديم طلباتهم أيضاً. ثم سارع إلى اختيار من وجد أنه الأنسب لتصوره السياسي والمهني، متجاهلاً أبسط المعايير، التي تتعلق بالمهارات والكفاءات المُفترض توفّرها في الأشخاص المرشحين لمنصب رئيس مجلس الإدارة أو عضوية المجلس.
فالصحافي أبو زيد مثلاً، لم يحصل أن تولّى أي مسؤولية إدارية لا على مستوى فرق التحرير في المؤسسة التي يعمل بها، ولا على أي مستوى إداري آخر، بينما يعمل المرشحون الآخرون، في مواقع صحافية عادية، وليس معلوماً عنهم أي إنجازات أو نجاحات، بل إن بعضهم اشتهر بتلقّي الرشاوى وقيادة «إعلام الابتزاز».
إضافة الى ذلك، فقد تبيّن أن اختيار لما الصباح، ابنة المنتج أنور الصباح لعضوية مجلس الإدارة، هو خطوة في برنامج يقضي بتولّيها الإشراف على إدارة البرامج والإنتاج في القناة. وذلك على خلفية تفاهم تمّ بين الوزير والصباح الأب، حيث يعرض الأخير منذ فترة طويلة، أن يستأجر استديوهات تلفزيون لبنان في الحازمية مقابل بدل سنوي يصل إلى نصف مليون دولار، وأن يسمح له بإدارة الإنتاج من هناك، مقابل أن يسعى هو إلى السماح لتلفزيون لبنان بعرض برامج وأفلام أنتجتها شركته في السنوات السابقة، من دون مقابل، على أن يفترض خطة للسنوات المقبلة من أجل إعادة ترميم الدراما اللبنانية.