الانتخابات البلدية.. بين الإستحقاق الدستوري والواقع المأساوي جنوباً!

| فرح سليمان |

مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في شهر أيار المقبل، يبرز إصرار رسمي واضح من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام على إجرائها في موعدها، وفق ما تؤكده أيضاً وزارة الداخلية التي شددت على استعدادها التام لتنظيم هذا الاستحقاق القانوني.
في المقابل، يطرح واقع القرى الحدودية المدمرة تحديات جدية تجعل إجراء الانتخابات يواجه تحديات جوهرية.

هل تستثنى القرى الحدودية مجدداً؟
جرت الانتخابات البلدية لآخر مرة عام 2016، لتكرّ سبحة التمديدات حتى اليوم، فقد لجأت السلطة إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والإختيارية مرتين، الأولى في العام 2022 بحجة تزامنها مع الانتخابات النيابية، وثانيتها في العام 2023 بذريعة الصعوبات المالية.

وفي ظل الأوضاع الراهنة، يعود إلى الأذهان سيناريو أول انتخابات بلدية بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1998، حيث تم استثناء القرى التي كانت لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي آنذاك من العملية الانتخابية. واليوم، وبعد الدمار الهائل الذي لحق بعدد كبير من القرى الحدودية، يواجه لبنان وضعاً مشابهاً، حيث باتت بعض هذه القرى غير صالحة للسكن تماماً، فيما لم يتمكن العديد من سكانها من العودة إليها حتى الآن.

المعضلة لا تتوقف عند الدمار المادي، بل تشمل أيضاً الشغور الإداري داخل وزارة الداخلية، والذي قد يشكل عقبة إضافية أمام التحضير الجيد للانتخابات، أضف إلى ذلك أن المختارين في تلك القرى لم يقوموا بتحديث أو تصحيح لوائح الشطب، وهو ما قد يؤثر على صحة العملية الانتخابية برمتها، خصوصاً مع ارتفاع عداد الوفيات بشكل كبير بسبب استشهاد العديد من المواطنين بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.

بين الاستحقاق الدستوري والمأزق الإنساني

من الناحية القانونية، فإن الانتخابات البلدية هي استحقاق دستوري يجب احترامه، خصوصاً في ظل الأزمات المتفاقمة التي تتطلب تعزيز الديمقراطية المحلية كمدخل إلى الإصلاح الأوسع.

التوجه السائد في أوساط بعض القوى السياسية، هو استثناء القرى الحدودية المتضررة من الانتخابات، والإبقاء على مجالسها البلدية الحالية إلى حين استعادة الحد الأدنى من مقومات الحياة فيها.

وأحد الحلول المطروحة هو التأجيل التقني للانتخابات في المناطق المتضررة فقط، بحيث يتم تأجيلها إلى حين تحسن الأوضاع، بينما تجرى الانتخابات في باقي المناطق اللبنانية. هذا الطرح يبدو أكثر توازناً من الناحية العملية، لكنه يثير أيضاً تساؤلات حول الإطار الزمني لهذا التأجيل، وهل سيكون محدوداً أم قد يتحول إلى تأجيل مفتوح للهروب من الاستحقاقات كما حصل مع الانتخابات البلدية السابقة.

المعضلة التي تواجه الانتخابات البلدية ليست مجرد معضلة لوجستية، بل هي جزء من أزمة أوسع تتعلق بكيفية إدارة لبنان لاستحقاقاته الديمقراطية في ظل الأزمات المتكررة، وبينما تتشبث السلطة بإجراء الانتخابات في موعدها، يبقى التحدي الأساسي في كيفية ضمان شموليتها وعدالتها، من دون أن تتحول إلى محطة شكلية لا تراعي الواقع القاسي الذي يعيشه سكان القرى الحدودية، فهل ستتمكن الدولة اللبنانية من إجراء انتخابات تعكس إرادة جميع مواطنيها، أم أن ظروف الحرب والدمار ستفرض واقعاً جديداً، تتحول فيه الديمقراطية إلى ترف غير متاح للجميع؟

error: Content is protected !!