| خلود شحادة |
“فرطوا الشيعة”…
عبارة سمعتها من أحد رواد مقاهي بيروت، مرت في سياق حديث طويل وموسع حول “مستقبل الشيعة” في لبنان بعد استشهاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله.
ليس بالضرورة أن يكون قصده “طائفياً”، بل ربما يكون هدفه التحليل السياسي لواقع الشيعة بعد اغتيال الشهيد نصر الله، حيث أن التحليل السياسي يعتبر مهنة 75% من اللبنانيين عند كل حدث سياسي.
لا يخفى على أحد، أن الشيعة أمام مفترق طريق.
والبديهي أن يكون اغتيال السيد الشهيد نقطة تحول بين “ما قبل” و”ما بعد”.أي قبل غياب السيد وبعده.
تماماً مثل نقطة التحول قبل استلام السيد نصر الله منصب الأمين العام وما بعدها.
ليس سهلاً على البيئة الشيعية تقبّل ما حصل، وليس سهلاً على تنظيم بحجم “حزب الله” أن ينهض نافضاً غبار الحرب، حاملاً نعش أمينيه العامين بعد كل ما جرى. إلا أنه، وبقراءة بسيطة لـ”إيديولوجيا” الشيعة، وعلى الرغم من كل هذه المرارة، سيكون مقدوراً ـ بالنسبة لهم ـ على البدء من جديد.. ولكن!
منذ القدم، نشأ الفكر الشيعي الجعفري على “مظلومية الحسين بن علي”، معتبرين أن مهد أفكارهم ومبعث عقيدتهم، هي الملحمة البطولية التي جرت في كربلاء، التي اعتبروا في استشهاد قائدها “الحسين” انتصاراً لدمه، بربطهم النصر بالامتداد الفكري والاستمرارية، وليس بالتوازن العسكري.
ومن ما قبل كربلاء، مروراً بها، ووصولاً إلى كل الأئمة، يذكر الشيعة في كتبهم أن أئمتهم تعرّضوا للكثير من الظلم والقتل والسجن والتعذيب والنفي والإقصاء، وهم لهم أسوة في أئمتهم، لذا يجدون في هذه المحن “بلاءات” و”اختبارات” من الله.
وعموماً، لعبت الأحزاب السياسية الشيعية في لبنان، حركة “أمل” و”حزب الله”، دوراً في ربط السياسة والعمل الجهادي بهذه العقيدة الدينية.
عاشت الطائفة الشيعية نهوضاً سياسياً ـ اجتماعياً حقيقياً بعد وصول الإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان، الذي عمل على تقوية حضور الشيعة كطائفة تشكل مكوناً من مكونات المجتمع، بعد دعوة أبنائها للانخراط في العمل السياسي والإجتماعي والاندماج مع باقي الطوائف.
لذا عمل الصدر على شد أواصر الطائفة، وحمل مطالبهم للدولة، وجمعهم تحت أول مؤسسة تابعة للطائفة وهي “المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى”.
وعمل الصدر على تشكيل أول حركة عسكرية منظّمة تضم الشيعة من كل لبنان، تحت شعار مقاومة أي خطر صهيوني يمكن أن يدهم لبنان.
اختُطف السيد موسى الصدر، وانقطعت أخباره بعد زيارته إلى ليبيا في آب 1978.
حينها، أصيب الجمهور الشيعي بخيبة أمل كبيرة، وضربة لم تكن بالهيّنة حينها، واعتبر الجمهور أن ما حصل هو مؤامرة لمنع الشيعة في لبنان من نيل حقوقهم.
أكثر من 47 عاماً من الإنتظار، وما زال الشيعة، عموماً، وأبناء حركة “أمل” خصوصاً، بانتظار عودة الإمام الصدر حيّاً يرزق.
كان الشيعة حينها بقيادة الرئيس نبيه بري، الذي انتُخب بعد عدة سنوات رئيساً للحركة آنذاك، بالتوازي مع إنشقاق بعض القيادات من “أمل” والتحاقهم بـ”حزب الله”، الذي كان امتداداً للثورة الاسلامية في إيران.
مرّ الشيعة حينها بمطبات كثيرة، أبرزها كانت “حرب الأخوة” بين “أمل” و”حزب الله”. إلا انه وبعد كل ذلك، تمكن كل من الرئيس بري والسيد حسن نصر الله من جمع أواصر التنظيمين، وأطلق عليهم بري اسم “الثنائي الوطني”، الذي، برغم الإختلاف في قاعدته وبين جماهيره، وحتى تمايزه في القرارت السياسية والتحالفات الوطنية، إلا أنه حافظ على وحدته في المسار الصعب، والمصير الواحد.
استشهد العديد من القادة في “الثنائي” خلال الاجتياح الإسرائيلي، واستشهد السيد عباس الموسوي، الذي شكل حينذاك حالة فريدة بخطابه المعتدل والوطني والديني الأصيل، رغم كل الظروف الصعبة حينها.
تقول آمنة، وهي حاجة تبلغ من العمر 90 سنة، “عندما اغتالوا السيد عباس الموسوي، كنا نرفض أن نسمع خطاب الأمين العام الجديد ونقول مين متل السيد عباس؟”. لكن هذه الطائفة “ولاّدة” للقيادات الفذة التي لا تدّخر جهداً في حماية أبناء جلدتها.
كلام هذا الحاجة ربما يغني عن الكثير الكثير من الأبحاث والدراسات والقراءات والتحليلات.
لم يكن أمراً عادياً استشهاد سيد المقاومة السيد حسن نصر الله.. ولن يكون…
أثره ليس سهلاً على الشيعة خصوصاً، واللبنانيين عموماً.. والأحرار بشكل أعم.
إلا أن الأكيد أن المبادئ والمسيرة قائمة على مبدأ وفكر وعقيدة، وليس على الأشخاص، وأن الشيعة الذين لم يثنِهم قتل الحسين عن استمرار مسيرته، لن تثنيهم ألف عملية اغتيال عن متابعة المسيرة.
سيخوض الشيعة في المرحلة المقبلة “حرب وجود” إن صح التعبير، حيث تتعامل معهم العديد من الأطراف السياسية اللبنانية على أنهم “حالة وانتهت”، فتكثر الحملات الإعلامية ضدهم، للتأكيد أن الحالة الشيعية قد ضعفت.
ترافقها حملة ضغط أممية ودولية لـ”كبح” جماح “حزب الله” وحركة “أمل” كحليف وشريك داخل مفاصل الدولة، وتحديداً في أكثر ملف حساس وهو ملف سلاح المقاومة.
يجد “الثنائي الشيعي” نفسه اليوم أمام استفتاء شعبي. ترى، ماذا سيكون الشعار الذي سينضوي تحته الشيعة بغياب السلاح والمقاومة؟
سؤال تبقى إجابته رهن الأيام المقبلة، إلا أن المؤكد أن الشيعة لن يتخلوا عن المقاومة كـ”فكر”، فإن نزعوا السلاح وأخلوا البيوت منه.. كيف يمكن أن ينزعوا صور الشهداء التي تسند جدران كل البيوت؟
أما بالنسبة للتضييق سياسياً على “الثنائي”، فهذا إن خسّرهم في لعبة توزيع الحقائب أو تقسيم الجبنة السياسية، فهو سيكسبهم حتماً في صناديق الاقتراع، حيث سيتكاتف الشيعة في سبيل حماية أنفسهم ومصالحهم مقابل ما يجري من “اضطهاد” داخلي لهم، وهو ما ترجحه كل التحليلات، أن يكتسح الثنائي الشيعي المقاعد البرلمانية بأكثر مما لديهم اليوم.
يوم تشييع الأمينين العامين السيد الشهيد حسن نصر الله والسيد الشهيد هاشم صفي الدين، ليس مجرد تشييع، بل يتعداه ليشكل رسالة من شيعة لبنان، وحلفائهم في المنطقة، إلى لبنان والعالم “لن نتخلى عن فلسطين.. لن نتخلى عن المقاومة”.. وهنيئاً لمن سمعها بصوت الشهيد السيد نصر الله.