| فؤاد بزي |
مع دخول الحرب الصهيونية على لبنان شهرها الثاني، استقرّت حركة النزوح بشكل نسبي في عدد من المناطق المصنفة «آمنة»، مثل العاصمة بيروت ومناطق الشمال والجبل. ومع هذا الاستقرار تغيّر سلوك المستهلك في السوبرماركت، من التخزين والتموين، إلى البحث عن السلع الضرورية حصراً. كما دفع تركّز الضغط الاستهلاكي في أماكن محدّدة، إلى رفع نسب المبيع في نقاط البيع بـ 40%. وفي المقابل، تمّ تفريغ المناطق التي تتعرض للاعتداءات اليومية من مقوّمات الصمود، مثل وجود نقاط بيع أو توزيع للمواد الغذائية.
«لا يوجد صورة نمطية واحدة لرسم السلوك الاستهلاكي للبنانيين اليوم»، يقول أحد أصحاب السوبرماركت في بيروت. فمع بداية الحرب «انطلقت حركة تموين وتخزين، وتهافت المستهلكون على شراء كلّ شيء من مواد غذائية وأدوات تنظيف شخصية ومنزلية»، إنما اتّسمت بالخجل الذي لم يصل إلى حدود ما بلغته أيام كورونا، مثلاً. لاحقاً «تراجعت حركة التموين والتخزين بسبب استمرار توريد البضائع، فالرفوف ممتلئة دائماً، ما أعطى إشارات اطمئنان للزبائن».
عملياً، تعرّض سلوك المستهلك لضغط كبير خلال تشرين الأول الجاري جرّاء عدد من المتغيّرات الأمنية والسياسية. إذ أسهم تغيّر أخبار الجبهة في تفضيل نوع من السلع، أو ترك أخرى. مثلاً، الكماليات شبه منسية على الرفوف في مناطق تواجد النازحين بكثافة، ولا سيما في بيروت والجبل. وتفضل الأسر التي تعيش هناك أو انتقلت حديثاً إلى العيش هناك، السلع الغذائية القابلة للتخزين مثل الحبوب والمعلبات. رغم ذلك يشير صاحب سوبرماركت في المتن، كمال أبي نصر، إلى أن الحركة المتصلة بشراء سلع لا تصنّف اساسية، مستمرّة «هناك طلب على معطّرات الأجواء، وأصناف الشوكولا والسكاكر».
حركة البيع متقلبة جغرافياً وزمنياً. فخلال الأسبوع الماضي «تراجعت المبيعات بشكل عام» بحسب مدير عام المخازن وضاح شحادي، إلا أنّها «بقيت عالية مقارنةً مع الوقت نفسه العام الماضي». ولفت إلى توجّه جديد لدى المستهلكين الآن، إذ «ارتفعت حركة شراء الأصناف الأساسية، مثل الأرز والزيت والسكر والمعكرونة والمعلبات، مع تراجع دائم لمبيع السلك الكمالية». كما أشار شحادي إلى «تراجع حركة التموين والتخزين لدى زبائن المخازن». وأعاد سبب هذا التراجع إلى «الأخبار السياسية والأمنية مع تعويل الناس على بارقة أمل قريبة بوقف لإطلاق النار». أما الضغط الأكبر على حركة البيع، فأكّد شحادي أنّه في المناطق حيث الكثافة الأعلى للنازحين، مثل «عاليه، برمانا، وبيروت». ولكن، في طرابلس مثلاً، «بقي المبيع على حاله من دون زيادات كبيرة».
هذا الاتجاه واضح لدى وزارة الاقتصاد والتجارة. بحسب مدير عام وزارة الاقتصاد محمد بو حيدر، «لوحظ ارتفاع في حركة شراء البقول والزيوت والحبوب والمعلبات». ويقدّر بو حيدر نسبة الارتفاع في مبيعات السوبر ماركت في ما يمكن تسميته بـ«المناطق الآمنة» بنسبة تصل إلى 40%. وفي المقابل، «انعدمت الحركة التجارية تماماً في المناطق حيث الاعتداءات الصهيونية». أما على مستوى نوعية المبيع، من بيع بالتجزئة أو الجملة، فأشار بو حيدر إلى «ارتفاع كبير لحجم الشراء بالشوال». وأعاد السبب إلى «ارتباطها بالمطابخ في مراكز الإيواء، حيث تطبخ المأكولات بكميات كبيرة للنازحين».
وبحسب معطيات وزارة الاقتصاد، وفقاً لبو حيدر، «ارتفعت حركة استيراد الأصناف الغذائية الأساسية من حبوب وزيوت وسكر بنسبة تُراوح من 15% إلى 20%». ويعتقد بو حيدر أنه من «مصلحة كلّ التجار تصريف بضاعتهم بأسرع وقت ممكن. إذ يتواصل استيراد كل أنواع السلع الغذائية التي تضخّ في السوق بشكل طبيعي وهذا أمر مرتبط بسلامة «المعابر البرية والبحرية والجوية».
إقفال فروع وفتح بعضها جزئياً
في المناطق التي تتعرّض للقصف، ولا سيّما في الضاحية الجنوبية ومناطق الجنوب، أقفلت معظم فروع السوبرماركت. وللتخفيف من الخسائر، عَمَدَ أصحاب هذه المحال إلى إعادة ما يمكن من السلع إلى المورّدين. واستمرّت حركة التفريغ في واحدة من كبرى السوبر ماركت في الضاحية، لمدّة 3 أسابيع، اضطر فيها صاحبها إلى تأمين الكهرباء يومياً لتشغيل البرادات كي لا تفسد المواد الغذائية المبرّدة قبل إعادتها. في المقابل، يؤكّد مدير عام المخازن وضاح شحادي إبقاء فرع الشياح مفتوحاً بشكل جزئي، إنّما بلا بضائع مبرّدة، أما فرعَي الكاسكادا مول في البقاع، وفرع النبطية، فقد أُقفلا تماماً بسبب قربهما من الاعتداءات الصهيونية.