| رلى إبراهيم |
الخميس الماضي، وُضع القضاء العدلي على مائدة مجلس النواب الذين صوّتوا بالغالبية لمصلحة تعديل المادة الثانية من قانون القضاء العدلي عبر التمديد للأعضاء الذين انتهت ولايتهم بتاريخ 14/10/2024، بحيث يتمكّنون من ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم. كذلك أُدخل تعديل على الفقرة 1 من المادة 2 يجيز للنائب العام لدى محكمة التمييز (أي القاضي جمال الحجار حالياً) أن يكون عضواً حكمياً ونائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى سواء كان يشغل هذا المنصب بالأصالة أو بالانتداب أو بالتكليف. في الشقّ الأول، مدّد مجلس النواب ولاية أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه القاضي سهيل عبود وعددهم ستة، بينما في الشقّ الثاني أضاف عضواً جديداً إلى المجلس هو النائب العام التمييزي ليكون نائباً لعبود. هكذا، بأربع جمل، طوّق البرلمان «طموحات» عبود باختصار المجلس بشخصه.
لم يأت هذا الإجراء عبثاً بل كان عملاً ممنهجاً لقطع الطريق على تفرّد عبود بالمجلس. فعند انتهاء ولاية أعضاء المجلس في تشرين الأول الماضي، ونظراً إلى الأوضاع الأمنية المتمثلة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان، أعدّ وزير العدل هنري خوري قراراً يقضي بالسماح لمحاكم استئناف النبطية أن تعقد جلساتها في مدينة صيدا، وأرسله إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى للموافقة قبل إرساله إلى الحكومة لتقرّه بمرسوم. عندها وقّع عبود القرار منفرداً باعتبار أنه الرئيس والمجلس معاً وأعاده إلى خوري الذي حوّله إلى مجلس الوزراء. إلا أن الحكومة أجّلت البحث فيه في جلستها الأخيرة بسبب توقيع عبود نيابة عن مجلس القضاء الأعلى، ليُطرح التعديل المقدّم بصورة مستعجلة من النائب علي حسن خليل على جدول أعمال المجلس ويُصار إلى إقراره رغم اعتراض بعض النواب على عدم وضوح آلية التصويت، وعلى ما اعتبروه ضرباً لفصل السلطات وتدخلاً سياسياً في عمل القضاء، مطالبين بإقرار قانون استقلالية القضاء. فالقانون المقترح يخالف القانون عبر قفزه فوق وزير العدل والقضاء لإبداء رأيهما ويسهل الطعن فيه. بينما رأى الفريق المؤيد للاقتراح أنه يحول دون تعطيل المجلس ويؤمّن استمرارية أعضائه إلى حين تعيين بدلاء عنهم؛ بهذا المعنى التمديد لهم لا يقلّ أهمية عن التمديد في المواقع الأمنية، فالضرورات تبيح المحظورات. على هذا النحو، عرض رئيس مجلس النواب القانون على التصويت، وتلته مشادّة بشأن عدم موافقة الأكثرية عليه وعدم المناداة بالتصويت اسماً اسماً.
لكن في النهاية، وإذا ما أقرّته الحكومة في جلستها الأربعاء المقبل، سيصبح القانون نافذاً ويرجّح أن تكون له تداعياته على عمل مجلس القضاء الأعلى الذي «يتحكّم به رئيسه منذ مدة فيدعو إلى جلسات متى يريد ليصدّق القرارات التي تناسب أجندته بينما يرفض توقيع المحاضر التي يتمرّد خلالها الأعضاء على رغباته»، يقول أحد النواب الموافقين على القانون، إذ بات عبود «الحاكم بأمره في العدلية يديرها كما يشاء، بالإضافة إلى سعيه لتشكيل هيئة عامة تواليه الطاعة ليتحكّم بقراراتها». ففي السابق «وقف أعضاء المجلس في وجهه وتعذّر عليه إمرارها، إلا أنه كان ليقرّها بنفسه نيابة عن المجلس برمّته ما لم يجر التمديد للأعضاء كما جرى أخيراً». من هذه الناحية «كان التمديد ضرورياً لإضفاء نوع من الاستقلالية على القضاء خلافاً لما يقوله البعض بأنه تدخل في عمل القضاء الذي يرغب عبود أن يختزله بنفسه ويسيّره وفق أجندته السياسية». ويبرّر مؤيدو التمديد الحاجة إليه من منطلق كسر سيطرة عبود على المجلس وتحكّمه باجتماعاته وبنصابها بحيث بات من الممكن تأمين نصاب لأي جلسة حتى لو لم يكن موافقاً عليها بعد التمديد للأعضاء الستة ودخول عضو سادس إلى المجلس نائباً للرئيس. وبالتالي يمكن تأمين نصاب الستة من دون عبود، ويمكن الدعوة إلى جلسة وفقاً للقانون، إذ يتمتع نائب الرئيس بهذه الصلاحية أيضاً. أما معارضو القانون فيشيرون إلى مخالفات عديدة شكلاً ومضموناً وسعياً إلى الإطاحة باستقلالية القضاة والتدخل في عملهم.
الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام قال لـ«الأخبار» إن «القانون غير دستوري بكل المعاني. فمن حيث الشكل يخالف أصول التشريع الملحوظة في الدستور، ما يدعو إلى إبطاله لأنه تم التصويت عليه برفع الأيدي وليس بالمناداة كما يفرض الدستور. أما في المضمون، فإنه يخالف مبدأ شمولية التشريع ويستفيد منه أشخاص محدّدون، فضلاً عن كونه بمثابة بثّ الحياة في مجلس منتهي الصلاحية. الأمر الذي يُعدّ تعدياً على استقلالية القضاء أولاً وعلى السلطة التنفيذية صاحبة الصلاحية في هذا الشأن ثانياً وخرقاً لمبدأ المساواة».
ويستعدّ اللحام بالتعاون مع «المفكّرة القانونية» وبعض النواب لتقديم طعن في التمديد أمام المجلس الدستوري فور صدوره في الجريدة الرسمية. فيما دعا عبود إلى «احترام مبدأ استقلالية السلطة القضائية ووجوب تمتّع القوانين بصفة العمومية والتجريد، وإبعادها عن الطابع الشخصي». وانتقد في بيان «حرص المشرّع على إصدار القانون تحت عنوان استمرارية عمل مجلس القضاء الأعلى وانعكاساته السلبية على حسن سير المرفق القضائي كما جاء في أسبابه الموجبة»، مشيراً إلى أن «تعطيل عمل المجلس بدأ حتى قبل انتهاء ولاية أعضائه نتيجة امتناع السلطات المختصّة عن إجراء التعيينات اللازمة وصولاً إلى تعطيل اجتماعاته عبر التدخلات الحاصلة في عمله، ما يجعل من القانون الجديد تمديداً للتعطيل في حال استمرّ الأمر على ما هو عليه».
الطعن يشمل علي إبراهيم
إلى جانب تمديد ولاية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، أضاف النائب علي حسن خليل فقرة على القانون هي تمديد ولاية القضاة الذين يبلغون سنّ التقاعد بين 15 آذار 2025 و15 آذار 2026 الذين يتطلّب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يُتخذ في مجلس الوزراء، وذلك لمدة ستة أشهر من تاريخ تقاعدهم. وهو ما ينطبق على النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم حصراً، فضلاً عن أن خليل طرحه في مجلس النواب من هذا الباب بالذات. لذلك سيشمل الطعن هذه الفقرة أيضاً لكونها مُعدّة على قياس شخص، فالمشرّع حرص على التمديد من تاريخ 15/3/2025 حتى لا يشمل التمديد القاضيتين غادة عون وهيلانا اسكندر اللتين تُحالان إلى التقاعد قبله بأيام معدودة.