“المفوّض السامي”.. وبلسمة “الإعصار الدامي”

| جورج علم |

دخل الجنرال الأميركي إلى لبنان تحت قوس القرار 1701. لم يعد مهمّاً معرفة كيف دخل. المهم معرفة متى يخرج؟ وكيف؟ وأي لبنان سيكون عند خروجه؟

المشكلة أننا لا نعرف ماذا نريد، طالما أن كلّ طرف يغنّي على ليلاه. حتى وإن عرفنا، يبقى المستحيل مسيطراً، لأننا لا نعرف الطريق نحو الحوار. وإن إهتدينا، وبلغنا القاعة، وجلسنا حول الطاولة، نخرج كما دخلنا، وما تفاهمنا بشأنه يبقى على الطاولة يغلّفه تنافر الأنانيات.

يدخل الجنرال الأميركي من الأبواب المشلّعة – ومعه الفرنسي كضابط إرتباط ـ يطلّ على شرفات فراغاتنا، لا يحتاج إلى دليل، ولا حتى إلى مترجم، يعرف ماضينا، والحاضر، ويخطّط للمستقبل. ينوب عنه الفرنسي في تسليط الضوء على أولويات ثلاث: تنفيذ القرار 1701. تنفيذ إتفاق الطائف. تنفيذ الإصلاحات التي طالب ويطالب بها صندوق النقد الدولي.

يدور حول الأولوية الأولى كلام فرنسي ـ أميركي بسيط، لا يحتاج إلى تبسيط. القرار 1701 “موديل 2024″، مختلف عن القرار 1701 “موديل 2006″، تغيّرت المعادلات. والتغيير سمة الحياة، والطبيعة. في الماضي كانت مهمّة التنفيذ محصورة بالمتحاربين، إلاّ أن مصالح الطرفين إلتقت على التنصّل. المقاوم اللبناني أعاد بناء ترسانته، وتحصيناته. فيما فرض الإسرائيلي إيقاعاً عدوانيّاً على طول “الخط الأزرق” تحت عيون “القبعات الزرق”.

اليوم تغيّرت المعادلة، وتزيّن الـ”1701 الأقرع”، بقبعة “كاو بوي” أميركيّة، وربطة عنق باريسيّة. أصبح في خدمته جنرالان، ولفيف من المستشارين، وقوّة ضاربة، ومساحة شاسعة من المناورة ، يتخلّلها في بعض الأحيان طمر الرؤوس في الرمال تجنّباً للإحراج في بعض المراحل، والمحطات، لأن التوفيق بين المتناقضات أمر يستدعي الكثير من الحزم، ومن الدبلوماسيّة، لتدوير الزوايا الحادة، ذلك أن الحكومة اللبنانيّة تريد تنفيذ الـ1701، وفق مواصفات السيادة الناجزة، وبهمّة الجيش اللبناني، فيما الكيان الإسرائيلي يريد تنفيذه وفق مطامع ومطامح المتشدّدين في بيئته الدينيّة والسياسيّة. بينما المقاومة تريد الحفاظ على إنتصاراتها وحرصها على إستمراريّة ثلاثيتها المذهّبة “جيش، وشعب، ومقاومة”.

وتبقى إشارة لافتة تنتصب على مدخل القرار 1701، وتشير إلى فريق عمل أميركي متكامل، يرأس الجانب الدبلوماسي منه المستشار آموس هوكشتاين، والجانب العسكري الجنرال جاسبر جيفرز، والهدف تطبيق الـ1701، وفق ما يخدم الإستراتيجيّة الأميركيّة في الشرق الأوسط، خصوصاً في عهد الرئيس دونالد ترامب، والقائمة أساساَ على مبدأ ثابت يقول بأن “أمن إسرائيل أولا، وفوق أيّ إعتبار”، مع جملة ملحقة، موجزها “الأمن لإسرائيل، والسيادة للدولة اللبنانيّة”.

ومع الإنتقال من الجنوب إلى الداخل، وفي الطريق نحو بيروت، يعرّج الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم على “الطائف” كمحطة، يمكن أن يتناول فنجاناً من القهوة مع سائر المكونات التي لا تزال تتفيأ تحت خيمته، وتلتفّ حول طاولته.

المشهد سوريالي، لكن الحقائق مروّسة. هل حُسمت الإرادات والتدخّلات، وساد الإقتناع، لبناء الدولة الجامعة، القويّة، القادرة، العادلة، المنفتحة، المواكبة لروح العصر، وتحدياته.. أم لا يزال الحنين عند كثيرين إلى المزارع، والمضارب المتنوّعة، والقبائل، والفئويات، والعصبيّات؟ وبكلام أكثر دقّة: هل أن اللاعب الإقليمي الذي رفض الطائف، والدمغة العربيّة ـ الخليجيّة على ملفّه، بات يريده لإعتبارات تمليها حساباته الخاصة، ولحماية مصالحه، في ظلّ التحولات الكبرى التي يشهدها الشرق الأوسط، ومع وصول “الجائحة الترامبيّة” إلى المتوسط، والتي تنذر بإعصارات مدمّرة تنبئ بمتغيّرات تنسف كل التوازنات المتأرجحة حاليّاً ما بين “وهرة العصا، ودبلوماسيّة الجزرة”؟!

والحقيقة المتداولة في بعض مجالسنا، أن “الشيطان الأكبر” كان خارج الدار. الآن أصبح في الداخل، يتجوّل في أرجاء المنزل. ولم يعد مهمّاً معرفة كيف دخل؟ ومن مهّد له الطريق؟ لم يعد مهمّاً التوقف عند الأسباب، بل عند النتائج… أيّ “طائف” يريد للبنان، وهل يريد “لبنان الطائف”؟!
وفي الطريق من الطائف إلى مؤسسات الدولة، وإعادة بناء هياكلها المتداعية، لا بدّ من التوقف عند محطة أساسيّة مستحدثة في قلب بيروت، بعدما حوّلها “أمراء الطوائف” إلى عاصمة الإستعصاء المالي، والمصرفي، والإقتصادي، والتربوي، والإستشفائي، والخدماتي، والإنمائي، والإداري، والتنظيمي لـ”لبنان الكبير”.

وأمام هذا السدّ المنيع من الإستعصاء، يلتقي الأميركي والفرنسي عند نقاط ثلاث:

الأولى ـ لا بدّ من دم جديد. ولا أمل من غالبيّة هذه الطبقة الحاكمة التي نهبت شعبها أيام السلم، وهجّرته أيام الحرب. ولا بدّ من إنتخاب رئيس يحمل عنوان أمل جديد. ومع كامل الإهتمام للمحاولات الرامية إلى “توافق داخلي”، فإن الإختيار هذه المرّة من نصيب التوافق الأميركي ـ الفرنسي، بالتنسيق والتعاون مع “الترويكا” العربيّة: مصر والسعوديّة وقطر، لتحديد المواصفات، والإسم، وفريق العمل الحكومي… وفق “هندسات” صندوق النقد الدولي…

الثانيّة ـ إنتظم لبنان في السابق – نسبيّاً – بالإعتماد على “عنجر”، وضابط الإرتباط ما بين بيروت ودمشق. كان جبّاراً في كسح الألغام، وتفتيت الحواجز.
الآن، وعلى صهوة القرار 1701، يصبح لبنان على موعد مع “عنجر” من نوع آخر، بقبعة أميركيّة، وربطة عنق فرنسيّة. أما التفاصيل فهي سرديّة الأيام الآتية.

الثالثة ـ يبدأ الأميركي ـ الفرنسي بمراقبة تطبيق القرار 1701، وأمامه مهلة زمنيّة قد تمتدّ حتى يتسنّى للرئيس ترامب الجلوس على مقعد القرار في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. عندها سيكون لبنان أمام خيارات مصيريّة، أقلّها تسيير وتسعير غازه، ونفطه في برّه، وبحره، والسعي لإلحاقه بركب “الإتفاق الإبراهيمي”…”تصبحون على خير”!