| غاصب المختار |
“راحت السكرة وإجت الفكرة”. انتهت سكرة الفرح بالتوصل إلى اتفاق يُفترض أن ينهي الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان، لكن سرعان ما ظهر بالتنفيذ أن الاتفاق الثنائي بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ـ ومن ضمنها وفي قلبها ونبضها الموفد غير النزيه إلى لبنان آموس هوكشتاين ـ وبين كيان الاحتلال الإسرائيلي، تضمّن كل المخاوف التي كان يجري الحديث عنها خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، لجهة تغليب الإدارة الأميركية مصلحة كيان الاحتلال العسكرية والسياسية على مصلحة لبنان، فأعطته تفويضاً على بياض لخرق آليات تنفيذ الاتفاق ساعة يريد، فلم يلتزم بها جيش العدو ولا دقيقة به منذ بدء سريان الاتفاق.
المستغرب أولاً، انه بعد أربعة أيام على بدء تنفيذ الاتفاق، لم تتحرك لجنة الاشراف على تنفيذ الاتفاق لإتخاذ أي إجراء اوخطوة لوقف الانتهاكات، واكتفت السلطات اللبنانية الرسمية بالشكوى إلى رئيس لجنة الاشراف الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، وإلى فرنسا العضو الدولي الثاني في اللجنة الخماسية، التي تضم أيضا لبنان والقوات الدولية “اليونيفيل” والكيان الإسرائيلي. وبالطبع أدار الجانب الأميركي “الأذن الطرشاء” للشكوى اللبنانية، ووعد الجنرال “الضيف” بالسعي لدى “إسرائيل” لوقف الخروقات، لكن يبدو أنه استمع إلى حجج “إسرائيل” حول أسباب الخروقات، ووافق عليها، بدليل استمرارها. فيما فرنسا ما زالت على سيرتها الأولى: “خارج الخدمة” فعلياً وتكتفي بإصدار المواقف.
خطورة ما يقوم به العدو الإسرائيلي لا تتوقف عند عمليات عسكرية يعتبرها “من حقه لضرب أي تهديد محتمل” ولو من باب الشك، بحسب رأيه، وأنها لن تكون محصورة في بقعة جنوب نهر الليطاني. بل الخطورة تكمن في قرار قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية في ما اعلنه “قائد المنطقة الشمالية” أوري غوردن من أن “إسرائيل تخطط لتطهير المناطق الجنوبية من حزب الله”! وهذا يعني استمرار التصعيد الإسرائيلي إلى مديات أوسع خارج جغرافيا الجنوب، ما يعني أيضاً سقوط اتفاق وقف إطلاق النار إذا استمرت الخروقات.
ولعل قيادة الاحتلال تسعى من وراء ذلك إلى تنفيذ كلام رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بتغيير خريطة الشرق الأوسط، بدعم أميركي واضح، بدءاً من الجنوب اللبناني وانتقالاً إلى سوريا، وما يجري فيها منذ أربعة ايام من اجتياح فصائل سورية مسلحة معارضة لمناطق حلب وإدلب وحماه، أي منذ بدء وقف إطلاق النار في لبنان، دليل على أن خطة تغيير الخريطة الجيو سياسية للشرق الأوسط بدأ تنفيذها، وهي تنتقل من لبنان وفلسطين (غزة والضفة الغربية)، إلى سوريا، ولاحقاً إلى إيران، التي أعلن نتنياهو أنها ستكون في رأس أولوياته بعد وقف الحرب في لبنان والتفرّغ لغزة، ومن ثم دول محور الممانعة الأخرى.
ومع أن سوريا وإيران أبدتا مرونة في التعاطي مع الوقائع السياسية التي رافقت مفاوضات وقف الحرب في غزة ولبنان، إلّا أنهما صدقتا الوعود الأميركية والغربية بأن الاتفاق في لبنان وغزة سيؤدي إلى بدء مرحلة جديدة من التفاوض السياسي لترتيب وضع المنطقة بحيث يكون لهما رأي فيه. لكن النوايا الإسرائيلية والأميركية ظهرت على الأرض بحرب جديدة في سوريا، يلعب الروس فيها دوراً خجولاً لمنع تأثيرها على الوضع السياسي السوري.
لكن يبقى الأمل بإفشال المخطط الجديد لـ”الشرق الأوسط الجديد” الذي تريده “إسرائيل” وأميركا ودول الغرب، معقوداً على استيعاب إيران وحلفائها لخطورة ما يتم والتصدي له… لكن الله أعلم ما هو المخفي، وعسى ألّا يكون أعظم. والصبح قريب ويظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود.