| جورج علم |
الرسالة وصلت، والعنوان واضح.
من دافوس، المدينة السويسريّة، وخلال جلسة عامة بعنوان “الدبلوماسيّة في أوقات الفوضى”، عقدت على هامش “المنتدى الإقتصادي العالمي 2025″، تحدّث وزير خارجيّة المملكة العربيّة السعوديّة الأمير فيصل بن فرحان عن لبنان. قال: “نريد رؤية إصلاحات حقيقيّة من أجل زيادة مشاركتنا”.
وقال بعد محادثاته مع الرئيس جوزاف عون: “تطبيق الإصلاحات سيعزّز ثقة شركاء لبنان، ويفسح المجال لإستعادة مكانته الطبيعيّة في محيطه العربي والدولي”.
– من أين نبدأ؟
حمل خطاب القسم باقة إصلاحيّة مزركشة بعناوين عريضة، لكن الأولويّة بنظر الثنائي الأميركي ـ الفرنسي الذي يرأس اللجنة الأمنيّة، تبقى حتماً للجيش، وضرورة الإسراع في توفير الدعم الفعلي للمؤسسة العسكريّة، كي تضطلع بالمهام الوطنيّة الملقاة على عاتقها، إنطلاقاً من الجنوب، لفرض السيادة، وبسط سلطة القانون، وإستعادة الثقة الإقليميّة والدوليّة بلبنان، وتنفيذ القرار 1701 بكامل مندرجاته، وفتح صفحة جديدة من الإستقرار والإزدهار يحتاجها الشعب اللبناني بكل مكوّناته.
يؤكد الفرنسيّون أن الرئيس إيمانويل ماكرون، وقبل وصوله مؤخّراً إلى بيروت، أجرى إتصالاً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تناولا خلاله الوضع في لبنان، ومجالات التعاون لتوفير الدعم للعهد الجديد كي ينطلق بزخم لتنفيذ الإصلاحات التي وردت في خطاب القسم، مع التركيز على أولويّة إسترجاع السيادة الوطنيّة اللبنانيّة على كامل تراب الجنوب.
ولباريس قراءة واضحة للملف الجنوبي، وهي المشارك الأكبر في عديد قوات الطوارىء “اليونيفيل”، إذ تعتبر أن المؤسسة العسكريّة تشكّل المدماك الأساس لبناء لبنان المستقر، السيّد، الحر. وإنطلاقاً من هذه القناعة الراسخة، قامت بالعديد من المبادرات لتوفير الدعم اللازم، بما في ذلك المؤتمرات الدوليّة لتسليح الجيش، وتمكينه من لعب الدور الوطني المطلوب منه.
وإستناداً إلى تقارير إعلاميّة أوروبيّة – إسكاندينافية، نشرت إثر زيارات قام بها مسؤولون أوروبيّون إلى بيروت لتفقد وحدات دولهم العاملة في إطار قوات “اليونيفيل”، وردت نقاط على جانب من الأهميّة تستدعي التوقف عندها، أهمّها:
أ ـ وجود توافق أميركي – فرنسي، على تسليح الجيش، وتوفير سائر مقومات الدعم، كي يتولّى زمام المسؤوليات الأمنيّة التي تنتظره، سواء على طول “الخط الأزرق”، أو على طول الحدود اللبنانيّة ـ السوريّة.
ب ـ كلتا الدولتين تقدمان الدعم بشكل آحادي، منفرد، حتى ربما من دون تنسيق مسبق بينهما. لكن بعد التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، تغيّر الأسلوب، والآليّة، وبدأ تنسيق بين أعضاء اللجنة الخماسيّة لقيام جهد مشترك هدفه توفير الدعم، على أن تكون للمملكة العربيّة السعوديّة نقطة الإرتكاز نظراً لدورها المساعد والمساند لإنهاء الشغور الرئاسي، وكلمتها المسموعة لدى كلّ من واشنطن، وباريس، وأيضاً لما تملك من قدرات وإمكانات تؤهلها لوضع ما هي مقتنعة به، موضع الفعل.
ج ـ رغبة باريس في إحياء هبة المليارات الثلاثة.
وهناك كلام جدّي على هذا المستوى من الإهتمام وراء الكواليس المغلقة، وربما مرّر الرئيس ماكرون، خلال إتصاله مع ولي العهد السعودي، بعض الإشارات التي “تذكّر من دون أن تعكّر” صفو العلاقات.
– ويبقى السؤال: هل من عودة إلى أجواء كانون الأول من العام 2013، عندما أعلن الرئيس ميشال سليمان أن السعوديّة قرّرت تقديم مساعدات عسكريّة بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني، هي الأكبر في تاريخه، تقوم على شراء الأسلحة من فرنسا؟
الجواب العام: أن أهل مكّة أدرى بشعابها. والرياض هي المرجع الأول، والحصري في تقرير ما تراه مناسباً، وإن كانت المؤشرات الإيجابيّة تستند إلى متغييّرين:
• الأول، عودتها إلى الساحة اللبنانيّة، ومن موقع إثبات الحضور، والدور، والفعاليّة.
• والثاني، ربط المساعدات بالإصلاحات، وعلى قاعدة: “إعطونا تغييراً وإصلاحاً، وخذوا إنفتاحاً وإنشراحاً”.
وتقبع في زوايا الأيام، خلفيات معتمة حول الأسباب الحقيقة التي حالت دون تنفيذ الهبة، وإن كان من بينها إندلاع الثورة في سوريا، (آذار 2011)، وإنعكاساتها على لبنان. وتورّط “حزب الله” في الدفاع عن نظام الرئيس بشّار الأسد. ومسلسل الإغتيالات. وقد تزامن الإعلان عنها، مع إغتيال وزير المال السابق محمد شطح، و6 من مرافقيه.
وقال يومها محرّر الـ”بي بي سي” لشؤون العالم العربي، الصحافي ساباستيان أشر “إن الرئيس اللبناني عندما أعلن عن الهبة السعوديّة، إنما تحدّث بصورة غير مباشرة عن أمر يُعدّ نقاشه من الممنوعات في لبنان، وهو سلطة حزب الله الواسعة في لبنان، والتي لا رادع لها”.
ويبقى الطافح على السطح زبد الفساد، وروائح السمسرات، وكلام عن عمولة بمبلغ 150 مليون دولار لحساب شركة “أوداس” من خلال موقعها الوسيط في إدارة العمليّة برمتها، وهذا ما دفع بالرياض إلى وقف تمويل صفقة السلاح بعدما تعاظم نفوذ “التشبيح والأشباح”!
ويبقى السؤال: هل تعود المناهل تروي الجداول؟
قالها الأمير فيصل بن فرحان صريحة في بيروت: “أعطونا إصلاحات… ولن نبخل بالمساعدات”.