| علي فضة |
كان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين قد أعلن سابقًا أنه لن يزور المنطقة، إلّا في حال نجح وقف إطلاق النار في غزّة.
ما الذي دفع به فجأة إلى الزيارة؟ وماذا حمل معه للبنان؟
مبادرة بايدن الأخيرة المُحدّثة “إسرائيليًا”، وهو القائل في خطابِه السبت 15 حزيران بمعرض طرحها، بحيث اعتبرها “الحلّ الأخير”، داعيًا الجميع، الالتزام بها، معتبرًا أنها تضع حدًا للحرب.
سوّق بايدن لمبادرتهِ “الإطار”، كما سميت، في قمّة الـ G7، ونجح الرئيس الأميركي بتسويق مبادرته، كما استطاع أن ينتزع موافقة بعض الدوّل العربية عليها. الكيان المحتل أساسًا موافق باعتبار المبادرة اقتراحه، لكن بمقاربة القضاء على “حماس”، أظن هذا الذي يجب مناقشته. هذه الجدليّة بين الولايات المتحدة والكيان، قائمة، وهي كيفية القضاء على “حماس” ضمن المبادرة، أميركا تقارب القضاء على “حماس” بنظرة أكثر موضوعية، ترى ذلك غير ممكن حاليًا. أما مقاربة الكيان المحتل يرى المبادرة أفضل مسلك محصّن دوليًا لسلب المقاومة أهم نقاط قوتها، الأسرى، ومن ثم القضاء عليها بلا هوادة. إضافة إلى الأفخاخ التي تنتشر في تفاصيل مبادرة بايدن. أحد المسؤولين الفلسطينيين قال إنّ “هذه المبادرة كل بندٍ فيها بحاجة لمبادرة”، بالإشارة إلى تعليق الرئيس حافظ الأسد على “اتفاق أوسلو”، لكن يبدو أنّ الأميركي، في حمأة النقاش حول كيفية القضاء على “حماس”، يفضل أن يكون “الزوج المخدوع”، الأهم تمرير الخلاص ـ ولو ظرفيًا ـ من مستنقع غزّة، باعتبار كل الملفات والجبهات مرتبطة بها.
هوكشتاين الثعلب الماكر.
بعد حصد التأييد لمبادرة الإطار، أوفد بايدن مبعوثه إلى الشرق الأوسط آموس هوكشتاين، استهل زيارته بتل أبيب، الموافقة أصلًا على “مبادرتها المفخخة“، ثم أتى هوكشتاين إلى لبنان، مقتنعًا هذه المرة بصعوبة فصل جبهة غزة عن باقي الجبهات، ومن دون أن يحمل أي تهديد كما سُوِّق، لكن قناعاته لم تحل من دون مناوراته. كالعادة، الوجهة الرئيس نبيه بري، هنا يمكن القول إن ما أراده هوكشتاين من تلك الزيارة المفاجئة، يكمن في تلك “الحلبة”، حلبة لبنان، والعين شاخصة على جبهته. أوضح المبعوث الأميركي سبب زيارتِه، وشرح لبري حصول إعلان بايدن على تأييد واسع، دولي ـ عربي ـ إسرائيلي، وطلب الوساطة لدى “حماس” للقبول بالمقترح، باعتباره أفضل الممكن، وإذا تعذّر ذلك، “فلننحو نحو ترتيبات على طول جبهة لبنان من الجانبين”! هنا سقط وكأنّه لم يفعل شيئاً، وكأني أرى الرئيس بري يهزّ رأسه قائلًا في سره “على مين عم تناور؟ أهبل أنت!”. لماذا؟ لأنه هنا يقول هوكشتاين للرئيس بري ضمنيًا “إننا جديون بالمبادرة، لكن، إذا رفضت حماس ولم تنجحوا بإقناعها، فقد سقط الذنب عنكم، فلنرتب اتفاقاً على جبهة جنوب لبنان مع فلسطين المحتلة، و”حماس” هي التي تتحمّل مسؤوليّة الرفض، أي حماس والمقاومة الفلسطينية هم العقبة” ـ أساسًا، ولاستعادة سمعة “إسرائيل” دوليًا، هذا يأتي من ضمن ما يطمح له بايدن بمبادرته الإسرائيلية، وهو قالها صراحة لأمير قطر تميم آل ثاني، باتصال هاتفي بين الإثنين أعلن عنه البيت الأبيض نهار الإثنين 3 حزيران.
خطاب السيّد حسن نصر الله.
صراحة، لا أريد التركيز على “الهدهد”، على أهميته، ذلك لأني أعلم أنّه ليس سوى نذر يسير من ما تخفيه المقاومة في لبنان، وما كان خطاب السيد نصر الله الثلاثاء 13 حزيران، إلّا إنذار يقرأ على النحو التالي:
أولًا ـ إن توسعت الحرب على جبهة لبنان مع فلسطين المحتلة، ومحاولات حشر المقاومّة الفلسطينية في زاوية فاقدة الحيلة السياسيّة، ليس سوى بداية نهاية “جدلية وجود إسرائيل”، أقله ليست كما كانت قبل تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر أبدًا، لأنّ اللافت في هذا الخطاب، تحديدًا هو في آخره عندما قال: “إخواني، نحن أمام أعظم معركة تخوضها الأمّة منذ 1948، معركة لها أفق مشرق، معركة ستصنع مستقبل المنطقة”. لا تمر هذه الجملة من دون استقراء، كما لا يمكن مقاربتها كما لو أنها قيلت في بداية الحرب. نحن أمام أكثر من ثمانية أشهر في خضم حربٍ وصفها العدو بالوجودية. هذه الجملة، عطفًا على مضمون الخطاب كاملًا، يبيّن أننا أمام لحظات جد حساسة، وأن جذريّة الصراع آخذة بالتنامي، بمقاربات ربما تكون غيّرت فكرة “الإسناد” لمجرد “الإسناد” ورفع الضغط عن غزّة، وأننا أمام مرحلة من “الإسناد” على طريق التحرير المدروس المتحلي بالصبر الاستراتيجي والفعل التكتيكي، يتطوّر ذلك تدريجيًا كما ينبغي. وطالما أنّ الفكرة ليست جامدّة، فهذا يعني أنه ربما قد تتحرك بمرونة نحو تغيير حكيم باتجاه فرض واقع لا مفرّ منه، لا أميركيًا أو دوليًا ولا إسرائيليًا، يحاكي مشهدية بدايات النهاية على طاولة شطرنج عمرها أكثر من 75 سنة، وأن لاعب المقاومّة ومحورها على وشك أن يقول “مات الملك”.
اختصاراً، وبكل الأحوال، “إسرائيل” كيان استيطاني، إحلالي، ليس استثناء للقواعد التاريخية، لانتهاء كل شكل من أشكال الاستعمار بوجود إرادة مُقاومّة. وما خطاب السيد نصر الله الأخير إلّا إنذارًا على طريق اغتنام الفرص التاريخية، كحالة تكيّف مع الوقائع التي أفرزتها أعظم معركة تخوضها الأمّة.