/ علاء الحسن /
كثرت الأقاويل عشية الانتخابات النيابية، المفترضة في أيار المقبل، حول سعي جهات عديدة، داخلية وبالتنسيق والتعاون مع دول خارجية، إلى تطيير الانتخابات، حفاظاً على مكتسباتها الحالية، وخوفاً من تبدل الوضع لصالح شريحة جديدة تمسك بزمام المجلس النيابي، وبالتالي الاستحقاقات التي تلي الانتخابات، وأولها رئاسة المجلس النيابي وليس آخرها انتخاب رئيس الجمهورية.
إلا أن المتابع للأوضاع، وخصوصاً لنوايا الأطراف الأساسية، ومنها “حزب الله”، يدرك أن الحزب بات على قناعة أن الانتخابات قائمة لا محال، الأمر الذي استدعى منه تجهيز الماكينة الانتخابية، وبدء العمل وفق برنامج انتخابي بات قاب قوسين من استكماله.
وفي هذا السياق، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الثنائي الشيعي وضع هدفاً رئيساً نصب عينه، وهو الحصول على كامل الحصة الشيعية في المجلس النيابي، لسد الطريق أمام أي خرق محتمل، لتأمين إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي العتيد. وهو الأمر الذي ليس بالأمر العسير عليهما، وفق الحسابات الانتخابية والإحصائية، فرغم التأثيرات التي تركها حراك السابع عشر من تشرين، وما تلاها من أحداث وأزمات اقتصادية ومعيشية مروراً بانفجار المرفأ، إلا أن الأصوات الشيعية لا تزال تصب في خانة الثنائي الشيعي، بحسب المصادر المطلعة، وتبقى الحالات المرتبطة بالأصوات غير الشيعية التي تصب في خانة المرشحين الشيعة، وهو ما يعمل عليه الثنائي في إطار تحالفاته الثابتة والانتخابية خلال الفترة المقبلة.
لكن ذلك لا يعني أن هدف الحزب في الانتخابات المقبلة يتوقف عند تحصيل الحصة الشيعية بالكامل فحسب، بل يعمل الحزب وفق خطة يريد من خلالها الحصول على الأغلبية النيابية مع حلفائه، وهو وإن كان على قناعة أن الأغلبية النيابية لا تؤدي بالضرورة إلى قدرتها على إدارة البلاد، في ظل المحاصصة القائمة والمتجذرة في النموذج اللبناني، من دون تسويات ترضي الأطراف المتنافسة بشكل أو بآخر، وهو ما أثبتته تجارب انتخابات العام 2009 والعام 2018 وحكومة الرئيس حسان دياب، إلا أن الحصول على الأغلبية النيابية يحسن بطبيعة الحال شروط التفاوض في القضايا الحكومية والمسارات العامة لسياسات الدولة.
إلى ذلك، تبذل “نيو 14 آذار” كل جهدها لاستمالة جزء من الشارع الشيعي الممتعض من السياسات الداخلية للحزبين الرئيسيين، والذي قد يفصل بين ولائه للمقاومة وبين الأداء السياسي لكل من حزب الله وحركة أمل، وذلك من أجل الحصول على ممثل شيعي في المجلس النيابي، تستفيد منه في المساومة على رئاسة المجلس سياسياً، والإيحاء أن الثنائي الشيعي لم يعودا يمثلان الطائفة لوحدهما. وفي هذا السياق جرت اتصالات متعددة مع شخصيات وأطراف شيعية من المعارضة التقليدية للثنائي الشيعي، من أجل تفعيل حركتها الإعلامية في المقبل من الأيام.
من جهة أخرى، فإن الماكينة الانتخابية لقوى منظمات المجتمع المدني (وبعض الأحزاب التقليدية التي أصبحت تنادي بالتغيير، حاملة شعارات المجموعات التي تشكلت وانطلقت إبان حراك 17 تشرين)، تسعى إلى إشاعة حالة من الإحباط لدى جمهور الثنائي، بالاضافة إلى جمهور التيار الوطني الحر، للإيحاء أن إعادة انتخاب الطبقة السياسية ذاتها، سيؤدي إلى نفس النتائج الكارثية التي وصلت إليها البلاد، في مسعى منهم لتخفيض نسب الاقتراع، والذي سيصب في نفس الاتجاه الخاص بعدم حصرية التمثيل بالثنائي الشيعي.
وعلى الرغم من اصرار الولايات المتحدة الأميركية على إجراء الانتخابات النيابية، فإن هذا الإصرار لا يعني أنها تتبنى بالكامل أي طرف يناوئ حزب الله، ذلك أن كلاً من الأحزاب التقليدية أو المجموعات الحديثة تدور في فلكها، وإن كان هناك نقاش داخل الإدارة الأميركية حول قدرة المجموعات الحديثة على القيام بأدوار كبيرة، بسبب قلة تجاربها وعدم وجود امتداد لها في الدولة العميقة في لبنان، فضلاً عن عجز الأحزاب التقليدية الحليفة لها، وعدم قدرتها على فعل ما هو أكثر مما قامت به لغاية اليوم. إلا أن الولايات المتحدة تريد من كل ذلك الحصول على الأغلبية النيابية، في ظل قدرتها على التعامل مع الأطراف الرابحة، شرط معارضتها للمقاومة.
يدرك الثنائي الشيعي أن الهجوم الإعلامي والسياسي الحالي عليه، لا يترك تأثيراً جوهرياً على قدرته التمثيلية في المجلس المقبل، لأسباب تتعلق بوعي الجمهور، خصوصاً الجمهور الذي عايش فترة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 لغاية اليوم، وبصورة خاصة في ظل التماسك القوي بين حزب الله وحركة أمل، في مقابل المنافسة الشديدة والاختلافات العميقة لدى الأحزاب والطوائف الأخرى، وهي فرصة لبناء تحالفات انتخابية تخفف من قدرة الجهات المدعومة أميركياً وخليجياً على إحداث تغيير قوي في الانتخابات المقبلة.