| فرح سليمان |
في بلد يعاني من أزمات إدارية متراكمة وتحديات إنمائية تتجاوز قدرة البلديات المنفردة، يبرز اتحاد البلديات كأحد النماذج للإدارة اللامركزية، حيث تتضافر جهود عدد من البلديات ضمن كيان واحد لتحقيق مشاريع مشتركة، وتخطيط تنمية محلية أكثر فاعلية واستدامة.
وفقاً للمرسوم الاشتراعي رقم 118 الصادر في 30 حزيران 1977، يُعرّف اتحاد البلديات بأنه هيئة لا مركزية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويتكوّن من بلديات اختارت طوعاً الانضواء تحت لوائه لإدارة مرفق أو أكثر من المرافق العامة، وقد أُنشئ أول اتحاد من هذا النوع في العام نفسه، في منطقة كسروان الفتوح، تبعه اتحاد بلديات صيدا – الزهراني عام 1978.
واليوم، وبحسب إحصاءات “الدولية للمعلومات”، ارتفع عدد الاتحادات إلى 53 اتحاداً تضم 627 بلدية، في مشهد يعكس الحاجة المتزايدة إلى أدوات تنسيق وتكامل بين البلديات، ولا سيما في ظل تراجع قدرات الدولة المركزية.
كيف يُنشأ الاتحاد ومن يديره؟
يُنشأ اتحاد البلديات بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزير الداخلية، إما بمبادرة منه أو استجابةً لطلب مشترك من بلديات معنية، ويتم تحديد اسم الاتحاد ومركزه في نص المرسوم، مع إمكانية انضمام بلديات لاحقة بمرسوم مماثل.
ويتألف الاتحاد من هيئتين: مجلس الاتحاد ورئيس الاتحاد، المجلس يضم رؤساء البلديات الأعضاء أو من يمثلهم، ويتمتع بصلاحيات واسعة أبرزها إقرار المشاريع المشتركة، والموازنة العامة، وخطط التنمية، إضافة إلى اعتماد الأنظمة الإدارية والوظيفية، أما رئيس الاتحاد، المنتخب من قبل المجلس، فيتمتع بصلاحيات تنفيذية، تشمل إعداد الموازنات، صرف النفقات، وتوقيع العقود، كما يُعتبر المرجع الإداري الأعلى لموظفي الاتحاد.
التمويل: مصادر متنوعة.. وتحديات مستمرة
تتكون مالية الاتحاد من عدة مصادر، أبرزها اقتطاع 10% من واردات البلديات الأعضاء، إضافة إلى المساعدات، القروض، الهبات، عائدات المشاعات، ومخصصات الصندوق البلدي المستقل، كما تسهم الدولة بنسبة محددة في موازنات الاتحادات، تُدرج سنوياً في الموازنة العامة، وتوزّع بقرار من وزير الداخلية.
لكن رغم هذا التنوع، غالباً ما تواجه الاتحادات صعوبات في التمويل المستدام، بخاصة في ظل التقشف العام الذي يطبع المالية العامة للدولة اللبنانية، وتأخّر تحويل الأموال من الصناديق المركزية.
وتكمن أهمية الاتحاد في كونه يوسّع نطاق العمل البلدي من المحلي إلى المناطقي، ما يتيح تنفيذ مشاريع ضخمة تعجز عنها بلدية بمفردها، كمعالجة النفايات، إنشاء الطرق، إدارة المشاعات، وإطلاق مبادرات إنمائية عابرة للحدود الإدارية، كما أن قرارات مجلس الاتحاد مُلزمة لجميع الأعضاء، ما يضفي على العمل المشترك طابعاً تنفيذياً صارماً، يحدّ من التباطؤ أو التراجع الفردي.
في حال تخلّفت بلدية عن تنفيذ قرار مشترك، يمكن للقائمقام أو المحافظ أن يتدخل لإلزامها، وحتى أن يحلّ محلها في اتخاذ القرار، حمايةً للمنفعة العامة.
تطور عمل اتحادات البلديات خلال العقود الماضية يشير بوضوح إلى قدرتها على لعب دور محوري في تطوير الإدارة المحلية وتعزيز التنمية المتوازنة، خصوصاً في المناطق الريفية والمهمّشة، فهل ستشهد المرحلة المقبلة اندفاعاً جديداً نحو توسيع العمل الاتحادي وتفعيله، أم ستبقى هذه التجربة رهينة المزاج السياسي المحلي، والتمويل المتعثر، والانقسامات الإدارية؟
