الثلاثاء, ديسمبر 9, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderالبحر أمامنا.. والعدو وراءنا.. فأين المفر؟

البحر أمامنا.. والعدو وراءنا.. فأين المفر؟

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

تقبع سوريا اليوم في حضن الثلاثي الأميركي ـ الإسرائيلي ـ التركي. وتصعب الإجابة عن سؤال حول مصدر القرار، ومن يملكه، ومن هو القادر المقتدر على وضعه موضع التنفيذ؟

وما يزيد من عدم اليقين، تشابك المصالح، بحيث تصبح المسألة أبعد، وأكثر تعقيداً عندما يطلّ الروسي من زاوية حساباته ليطمئن إلى صحة “حميميم”، وحاضر القاعدة ومستقبلها على هذه الشرفة من المتوسط. وعندما يطل الإيراني ليتفقد بقايا التركة، وهل من رميم يمكن إحياؤه للحفاظ على شيء من الهالة والحضور في هذه الخاصرة الاستراتيجيّة. وعندما يطل العربي ليقول نحن أصحاب الإرث الضارب في التاريخ والجغرافيا، وقد كانت سوريا درّة العقد عندما تأسست جامعة الدول العربيّة، وكانت الطليعيّة في حركات التحرّر العربي، وفي القمم والمنتديات العربية حول القضايا المصيريّة، وفي الطليعة القضيّة الفلسطينيّة.

المطروح على طاولة الإهتمام أبعد وأخطر من التفتيت، ذلك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تفاهم مع الإسرائيلي بنيامين تنياهو حول الأهداف والأدوار، قبل أن يوفد مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ليبدأ حواراً مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تحت شعار “تطبيع العلاقات”.

هناك تقاسم للأدوار بين واشنطن وتل أبيب، وتفاهم حول الأهداف. تُرك للإسرائيلي أن يكون صاحب ذراع طويلة في كلّ من غزّة، والضفة، والأردن، ولبنان وسوريا، على أن يحتفظ الأميركي بهامش أوسع في كل من العراق، واليمن جارة الخليج، وبوابة الممرات النفطيّة.

لم يعلن الجنرال الأميركي إستقالته من رئاسة هيئة الأركان في غزّة. إنه في قمرة القيادة، يشرف على غرفة العمليات، ويوزّع الأدوار، ويدقّق باستمرار في جردة الحساب مع الإسرائيلي حول ما أنجز من مهام، وما يفترض إنجازه على أرض الواقع. لا يزال “أمر المهمة” ساري المفعول. وتحرير غزّة من أهلها، وتجريدها من سكانها، لا يزال أولوية الأولويات، وبعد ذلك يصار إلى التفاهم حول مواصفات “ريفييرا الشرق الأوسط”، والنظر بتوزيع المغانم وترتيب المكتسبات.

في الأردن، لم يكن قرار عزل “الإخوان” قد خُطّ بحبر عربي، وخط كوفي، بل بإيحاء أميركي. الجنرال هناك أوعز، واتخذ القرار، ورسم السيناريو، والإخراج، وإحتاط لردود الفعل والإنعكاسات. مهمّة “الإخوان” قد إستنفدت وإستنزفت، أدوا قسطهم للعلى، وحانت الساعة للعودة إلى الخفاء.

في لبنان أطل المجلس الأعلى للدفاع بـ”همروجة” إعلاميّة ـ تلفزيونيّة مثيرة حول “حماس”، ونشاط “حماس”، وسلاح “حماس”.

لا بأس من ذلك. ولكن لا نجد على الشاشات الأميركيّة، والأوروبية إجتماعات لمجالسهم، بل تتمّ الأمور بسريّة مطبقة، وما يعلن هو النتائج، وما يتم تنفيذه ميدانيّاً، وعلى أرض الواقع. فالحكمة عندهم ميزانها الأفعال، لا الأقوال، فيما الحكمة عندنا ميزانها الصوت والصورة، والتصريحات، والبيانات المتعوب عليها، على أن يأتي الفعل في ما بعد، وعلى بركة الله.

ما هي الأذية لو عقد الإجتماع سريّاً، وأحيطت القرارات بسريّة مطبقة، وترك عنصر المفاجأة للمواطن أن يكتشف بنفسه مصادرة سلاح “حماس”، وإرغامها على الإمتثال لمنطق الدولة، وسقف القانون؟!

وما هي الحكمة من وراء الإنكشاف الإعلامي؟ هل للفت نظر “حماس” مسبقاً، وحملها على إتخاذ كامل إحتياطاتها لمواجهة الموقف؟ أم لزيادة منسوب التشنج في البلاد، والإنقسامات السياسيّة، الطائفيّة؟ أم لإحراج الدولة، ووضع مؤسساتها المعنية أمام أمر واقع، فإن نفذّت يقال بأنها تقوم بالحد الأدنى المطلوب منها، وإن لم تنفّذ تكون الدولة قد وقعت بمأزق عدم القدرة، وظهرت بمظهر العاجز. دولة للكلام، لا للتمام؟!

على أي حال، ما تقدم مجرّد محطّ كلام، لأن الجدّ في الموضوع يتوزّع على ثابتتين.
الأولى: أن يتزامن “سلاح حماس” مع الإعلان عن تعطيل نشاط “الإخوان” في الأردن. وكأن في الخلفية جنرال أميركي يرسم، ويقرّر، ويوزّع الأدوار.

والثانية: أن فجوة السلاح تركت على السطح تموجات. لم تعد الأولوية لحصر سلاح “حزب الله”، بل لـ”حماس” أولاً، وللمخيم الفلسطيني ثانياً، وللمخيم السوري ثالثاً، ورابعاً للطارئين الوافدين إلينا من ديار الله الواسعة.

حتى أن مسألة حصر السلاح تبدو شكلية، على الرغم من أهميتها، نظراً للتحديات المصيريّة التي تطلّ برأسها علينا من البوابتين الإسرائيليّة والسورية بإشراف الجنرال الأميركي.

ويبقى الجانب السوري هو الأشد خطراً، كونه الشقيق، والرئة، والمنفذ. وكون قراره ليس عنده بل عند من أتى به إلى القصر، ومهّد له الطريق. والذي أتى به، وسهّد له الطريق، له حسابات، ومصالح، وجدول جمع، وضرب، وقسمة.

ماذا يريد الأميركي من سوريا ـ الشرع؟ لقد ربط عقوباته بالنظام الأسدي. الأسد غادر مع نظامه، فلماذا لم تغادر العقوبات؟ ولماذا بقيت مشروطة، وتزداد كمّاً، ونوعاً؟

ماذا يريد التركي من سوريا، وهو المبادر إلى القول بأنه حريص على وحدة التراب السوري، وكلّه شوق ورغبة في دعم نظام الشرع لإعادة بناء الدولة والمؤسسات، علماً بأن تصرفاته وممارساته في الشمال السوري لا توحي بذلك!

ماذا يريد العدو الإسرائيلي من سوريا؟ بيت القصيد عنده حماية المكوّن الدرزي. هذه حجّة أقبح من الذنب الذي يقترفه. ما يريده شطب سوريا من القاموس العربي كدولة قوية مقتدرة كانت تشكّل رأس حربة المواجهة. ما يريده وضع اليد على كامل التراب السوري، وإن عجز، فالخيار مفتوح أمامه لتشليع سوريا من الداخل بحروب أهليّة.

مؤسف القول إن لبنان أمام هذا الواقع، منصاع للجنرال الأميركي، وقلق من المدّ الإسرائيلي. فالبحر أمامنا، والعدو وراءنا… فيما شغلنا محصور بالصوت والصورة!

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img