الأزمة متواصلة حتى إشعار آخر

جريدة الأخبار

| محمد وهبة | 

«لبنان ليس ضمن الأولويّات ولا يمثّل حاجة أو مصلحة دولية الآن»، هذه كانت خلاصة لقاءات رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان في أميركا في إطار اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين وعلى هامشها. في المجمل، توزّعت لقاءات كنعان بين: مجلس الأمن القومي، وزارة الخارجية، وزارة الخزانة وبعثة صندوق النقد إلى لبنان. والخلاصة نفسها، توصّل إليها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري اللذان التقيا مع مسؤولي صندوق النقد والبنك الدوليين، ومع عدد من المغتربين. وبما أن كل الأطراف مرتبطة أو تربط نفسها بسلّم أولويات خارجي، فكل المؤشرات تشي بأن الأزمة في لبنان قائمة حتى إشعار آخر.رغم ذلك، يمكن تعداد ملفَّين رئيسيّين تطرّقت إليهما هذه اللقاءات؛ أولها وأكثرها حراجة هو ملف تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية لمنظّمة «فاتف». والثاني يتعلق بالعلاقة المعلّقة بين لبنان وصندوق النقد الدولي. ما يجمع هذين الملفين، أن لبنان «لم يدرج على لائحة أولويات الولايات المتحدة الأميركية. علينا أن نعمل من أجل وضع لبنان على مسار التقاطع مع المصالح الدولية. هناك مجموعات كبيرة من الدول في المنطقة التي تحرص أميركا على أن تتعامل مع أوضاعها، لكنّ لبنان في ظل الظروف الدولية الحالية قد يكون فرق عملة» وفق كنعان. صحيح أن الاهتمام الأميركي لا يزال قائماً بشأن «الاتفاق البحري والاتفاق مع صندوق النقد الدولي»، لكن أهمية هذا الأمر قياساً بالملفات الأخرى صار هامشياً، إنما «يمكن البناء عليه، وهذا يتطلب متابعة».

في هذا الإطار السياسي، يمكن القول إن الملف الأول المتعلق بتصنيف لبنان على لائحة «فاتف» الرمادية استحوذ على جزء مهم من النقاشات التي أثارها كنعان في لقاءاته الأميركية. وهذه المنظمة التي يطلق عليها اسم «مجموعة العمل المالي» هي منظمة دولية مقرّها باريس تأسّست في 1989، وتعمل على سنّ المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، وفي سبيل ذلك تجري تقييماً لالتزام الدول بمعاييرها. ووفق معاييرها، أن لبنان لا يلتزم بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، لأن أكثر من نصف اقتصاده مبنيٌّ على التداولات النقدية. لذا، فالمطلوب منه مجموعة إجراءات تقلّص اقتصاد الكاش. وفي هذا السياق، يقول كنعان إنه «جرى نقاش جدّي، ولا سيما مع رئيس القسم المتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية جيسي بيكر، الذي زار لبنان سابقاً، وفي مجلس الأمن القومي أيضاً». الأسئلة الأميركية عن العوائق التي منعت لبنان من مكافحة اقتصاد الكاش كانت هي محور النقاش. «الإجابة التي قدّمناها تتطرّق مباشرة إلى النتيجة المتوخاة من السماح بوضع لبنان على اللائحة الرمادية، إذ إن تصنيف لبنان سيعزّز اقتصاد الكاش أكثر بدلاً من مكافحته. والكل يعلم أن اقتصاد الكاش يتطلب إعادة إحياء القطاع المصرفي والقيام بإصلاحات لم تنفذ بعد، لذا فإن تعزيز الاقتصاد الشرعي يتطلب إعادة هيكلة المصارف باعتبارها المحرّك الأساسي للفوز بهذه الشرعية، وهذا أمر له متطلباته التي نوقشت مع صندوق النقد الدولي والاتفاق المبدئي معه الذي مضى عليه سنتان».

بالتوازي، يوافق نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على أن لبنان «قد يصنّف على اللائحة الرمادية»، لكنه يعتقد أن الأمر «لا يشكّل مصيبة كبيرة، إذ إن هذا التصنيف يعني أن المطلوب من لبنان مجموعة إجراءات يجب أن تتخذ قبل تصنيفه على اللائحة السوداء، وهذا هو الأمر الأخطر».

الملف الثاني الذي نوقش، يتعلق بالاتفاق على مستوى الموظفين بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية. يتضمّن الاتفاق شروطاً أساسية مسبقة قبل تحويله إلى اتفاق نهائي، من بينها معالجة أوضاع المصارف وإعادة التوازن المالي للقطاع المالي وتوحيد سعر الصرف أو إقرار نظام صرف موثوق… وكل هذه المسائل لم تقرّ، بل اتخذت خطوات بشأنها ولم تصل إلى خواتيمها مثل اقتراح خطة معالجة أوضاع المصارف التي نسفت قبل مناقشتها في مجلس الوزراء، وقانون الكابيتال كونترول الذي نوقش مرات عدّة وبصيغ مختلفة من دون الاتفاق على أيّ واحدة فيها. أما نظام سعر الصرف فليس موثوقاً بعد لأنّ المصرف المركزي يتّكل على سحب الكتلة النقدية من السوق عبر طرف ثالث غير القطاع المالي التقليدي، وهو نظام يعمل بواسطة نظام جمع الكاش المطلوب مكافحته من منظمة «فاتف».

المهمّ، يقول كنعان، إنه التقى بعثة الصندوق إلى لبنان برئاسة أرنستو ريغو، الذي أبلغه أنه سيزور لبنان في الشهر المقبل، وأن الاتفاق مع لبنان لا يزال قائماً، لكن «تكوّن لديّ انطباع من هذا اللقاء وغيره بأن المسؤولين في الصندوق توصلوا إلى اقتناع بأن المفاوضات مع لبنان بلغت مرحلة الوعود التي لم تنفذ. فضلاً عن أن بعض التدابير والإجراءات المتخذة لمعالجة أوضاع المصارف ليست مقبولة من الصندوق مثل مسألة «zero coupon» التي تتطلّب 7 مليارات دولار لتنفيذها ولا أحد لديه أيّ فكرة من أين ستأتي هذه الأموال. كل ما ستقدمه المصارف هو 500 مليون دولار، بينما الدولة وضعها معروف». كذلك الأمر بالنسبة إلى مسألة «الودائع المؤهّلة وغير المؤهّلة التي يبدو أنها لم تمرّ». لذا، يجب البحث عن تدابير وحلول أكثر واقعية وجدّية. لكن يبدو أن الصندوق قد يعدّل نظرته بشأن توزيع الخسائر القائم على الفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية، أي الفصل بين القطاع المالي الذي يشمل مصرف لبنان والمصارف، وبين ما قامت به الحكومة ووزارة المال، إنما يجب أن يبنى الأمر على «تحديد إمكانات المصارف وموجوداتها وإيراداتها». وبحسب كنعان، فإن الصندوق يقول: «اعطوني ما الذي يمكن القيام به لندرس الأمر». بمعنى أوضح، فإن الصندوق، كما يلمّح كنعان، لم يعد متمسّكاً بفكرته السابقة لتحديد المسؤوليات وتوزيع الالتزامات.

أما الشامي، فقد فضّل الحديث بشكل عام عن هذا الأمر، والإصرار على أن العلاقة مع الصندوق لا تزال على حالها، أي أنّ ما تغيّر هو في صلب السياسات التي ستقرّ في الاتفاق النهائي، إنما مسألة الاتفاق لا تزال قائمة بشكل طبيعي، «إذ أبدى الصندوق استعداده للمساعدة في جوانب إضافية مثل المساعدة التقنية والمساعدة المالية». صحيح أن مذكرة التفاهم بحاجة إلى «إعادة نظر، لكنّ الأهداف التي اتفق عليها لبنان مع الصندوق لا تزال قائمة».

تنافر لبناني في واشنطن

قالت مصادر متابعة إن النقاشات والمواقف التي أطلقها النواب والوزراء اللبنانيون الذين زاروا واشنطن أخيراً لعقد لقاءات مع ممثلي صندوق النقد والبنك الدولي، أثارت جوّاً من البلبلة لأن المسؤولين الأميركيين لاحظوا أن المطالب مختلفة وليست موحّدة، وأن المواضيع التي تثار تقدّم بشكل مختلف بين جهة وأخرى. وقد أدّى هذا الأمر إلى تشتّت الموقف اللبناني. فقد انصبّ اهتمام وزير الاقتصاد أمين سلام على الدفع باتجاه الاستحصال على قروض اقتصادية لأصحاب المشاريع الصغيرة، واقتصرت نقاشات نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على إعادة هيكلة المصارف والمواضع ذات الصلة، بينما ركّز حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري على سعيه لتأخير إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، واعداً بخفض اقتصاد الكاش. وتشير المصادر إلى أن المسؤولين الأميركيين لمسوا تنافساً وتنافراً بين زوارهم اللبنانيين بلا تنسيق في أيّ تفصيل، رغم حجم الانهيار.