| رندلى جبور |
إن “إسرائيل” التي تطلق النار على غيرها، إنما هي في الواقع تطلق النار على ذاتها، في عملية انتحار موصوفة “تضعها على حافة الهاوية”، كما قال السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير.
وتوصيف الانتحار ينبع من أمور عدة، أبرزها:
1 ـ إن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، تجعلها تخسر معركة الرأي العام، ومَن لا حاضنة شعبية له محكوم بالموت.
كما أن المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق عمّال إغاثة تابعين لمنظمة أميركية، والتي برّرتها بأنها “عن طريق الخطأ”، زادت عليها النقمة الغربية، فيما هي تتكل على نعمة دعم الغرب لها.
2 ـ إن الضربة التي وجهتها “إسرائيل” إلى إيران في دمشق، واغتالت فيها قيادات كبيرة من “الحرس الثوري”، استجلبت تضامناً واسعاً مع طهران، حتى من بعض الخصوم التقليديين، واستوردت إلى الكيان الاسرائيلي مزيداً من الرعب، بدليل التشويش على أجهزة GPS في عموم الكيان من “الإسرائيليين” أنفسهم، واستدعاء ضباط وجنود الاحتياط إلى مراكز الدفاع الجوي، ودعوة المصارف إلى ملء صرافاتها الآلية تحسباً.
هذا عدا عن أن اللعب مع إيران، القوة الاقليمية التي صمدت وتطورت على الرغم من كل العقوبات عليها، لم يعد بالأمر السهل، وأن “التسلية” مع المقاومة التي باتت محوراً متكاملاً، لم تعد ترفاً.
3 ـ إن “إسرائيل” اليوم في منتصف طريق الانحدار، فيما قوى المقاومة في منتصف طريق الصعود، وبالتالي أي خطأ أو جنون يرتكبه العدو يجعله يدفع الثمن غالياً ويسرّع من سقوطه.
4 ـ إن “إسرائيل” تعيش أزمة داخلية لم يسبق لها مثيل، بدليل التظاهرات ضد بنيامين نتنياهو والخطابات المتناقضة والسجالات العلنية بين المسؤولين فيها، وأي تهوّر في ظل خلل في الساحة الداخلية، سيكون نقطة إضافية تسجّل لصالح نظرية الزوال، في ظل ضعف مفهوم الانتماء وتأثير الرواية الدينية، وتراجع المعنويات القتالية، والنزوح الداخلي للمستوطنين، وارتفاع منسوب الهجرة المعاكسة، وتقهقر القوة الاقتصادية.
صحيح أن الاثمان كبيرة في الجهة المقابلة، أي لدى المقاومة، إلا أن هذا المحور يراكم الانتصارات مع التضحيات، ويقوّي الانتماء تزامناً مع سقوط الشهداء، ولا يزال يطوّر نفسه، عسكرياً وسياسياً وعلاقاتياً وإعلامياً وتكتيكاً واستراتيجياً، ويدرس خطواته جيداً، ولا يتكل على العشوائية، ويتصرف بعقل بارد لا بانفعالية. يبقى أن عليه، وهذه دعوتي الصادقة والحريصة، على طريق الصعود والانتصار وعند الوصول إلى الذروة، أن لا يَدَع “الثورة تأكل أبناءها”، ولا أن يسمح لنشوة الانتصار أن تبعده عن الواقعية، ولا أن يبدّي مصالحه الخاصة على المصلحة العامة، ولا أن يقرّش قوته في المكان الخطأ، ولا أن ينسى المراجعات الداخلية والتقييم الذاتي، لئلا يُصاب بنزلة!