هل يحمل مرفأ غزة ملامح “بلفور” ثانٍ؟

| مرسال الترس |

يخطئ الفلسطينيون، ومعهم الدول العربية جمعاء، إذا اعتقدوا لحظة أن الغرب، بجميع دوله وأميركا في مقدمته، يبدون اهتماماً بقضاياهم المحقة، مهما اقتنعوا هم أنها مقدسة، لأن ذلك الغرب التي أثبتت الأيام توحشه، لا يفتش لحظة إلاّ عن مصالحه ومصالح ربيبته “إسرائيل”.

ها هو مجلس الأمن الدولي يفشل منذ ستة أشهر في الوصول إلى قرار يفرض وقفاً لإطلاق النار، لأن واشنطن لا همّ لديها سوى رفع يدها اعتراضاً بفيتو على أي قرار لا يضمن تفوقاً للدولة اليهودية. وعندما اقترحت هي قراراً يتضمن وقفاً مؤقتاً للنار، سارعت روسيا والصين إلى مبادلتها بالمثل. وعندما أُدخلت التعديلات على القرار، اكتفت بالامتناع عن التصويت، الأمر الذي يدعو إلى التشكيك بتنفيذه، كما كان يحصل بالقرارات المتعلقة بلبنان أو بسواه من الدول العربية.

العالم كله يتذكر في الثامن من تشرين الأول الماضي، كيف بدأت حاملات الطائرات والبوارج الأميركية والغربية بالتحرك باتجاه شواطئ فلسطين المحتلة، بعدما اهتزت في السابع منه صورة “الجيش الذي لا يُقهر”، وبقي أياماً لا يستطيع أن يستوعب ما حصل في مستوطنات غلاف غزة، نتيجة العملية الصاعقة التي أطلق عليها تسمية “طوفان الأقصى”.

والعالم كله، ومن ضمنه العالم العربي، ذُهل من حجم الدمار الذي حصل في قطاع غزة، نتيجة الكم الهائل من أطنان القنابل “الذكية والمتطورة جداً” التي أنتجتها مصانع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، والتي تستطيع تحويل أعتى المباني إلى ركام في ثوانٍ معدودات، ناهيك عن عدد الشهداء والجرحى والمفقودين.

وبعد تعثر التوصل إلى وقف للنار، ودفع الغزاويين من شمال القطاع إلى جنوبه، وتحديداً مدينة رفح التي يمكن أن تتحول إلى جسر عبور سهل إلى صحراء سيناء، ظهر الفشل الذريع في إنزال بعض المواد الغذائية من الجو إلى المحاصرين الذين باتوا على أبواب مجاعة بكل ما في الكلمة من معنى، لتتفتح أريحية أميركا على استحداث منصة بحرية (مرفأ صغير) لرسو السفن وإنزال المساعدات الغذائية بكميات كافية، وليتبين على وجه السرعة أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الأميركيين، بتفويض من الإسرائيليين، ترغب من وراء “تلك الأسكلة” بدفع الفلسطينيين للهجرة عبر تلك البواخر للتخلص من جحيم الجوع والحصار، وخطوة بعد أخرى وتصوير الأحلام الزهرية للمهاجرين الجدد، يصار إلى تفريغ القطاع من أهله، أو على الأقل من معظم من تبقى، وبذلك تتحقق أحلام واستراتيجيات الدولة اليهودية عبر “وعد بلفور” ثانٍ مغلّف بتسمية مرفأ للمساعدات الإنسانية.

وبالتالي، فإن ما عجزت عن تحقيقه القنابل الضخمة والفراغية ودبابات “الميركافا” وإغراق الأنفاق بالمياه، يمكن أن يتحقق عبر مرفأ صغير على شاطئ يقال إنه يختزن مئات آلاف الدولارات من الموارد النفطية والغازية في بحر غزة.

فالفلسطينيون الذين استطاعوا كسر العديد من القواعد في السابع من تشرين الأول الماضي، يمكن أن يواجهوا الوعد الجديد بما يسقطه في أتون النسيان.