ما سرّ قلق بكركي على الانتخابات.. وما علاقة السفراء؟

/محمد حمية/

أثار تحذير البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عظة الأحد، أمس، المسؤولين، من مغبة “التلاعب بالموعد المحدد لإجراء كل من الانتخابات النيابية والرئاسية”، جملة تساؤلات حول مصدر قلق وتشكيك الراعي ومدى جدية وواقعية هذا الخيار.

فهل تتأتى مخاوف “بكركي” من إشارات داخلية تشّعر بها، تتعلق بمحاولات جهات سياسية لا مصلحة لها بإجراء الانتخابات، الإطاحة بها؟ وهل تملك بكركي معلومات ومعطيات جدية؟ أم تتأتي من مناخٍ خارجي تواتر إلى مسامعها عن نوايا لتطيير الاستحقاق الانتخابي، مصدره مبعوثون وسفراء زاروا الصرح البطريركي خلال الأسبوع المنصرم؟

مصادر مطلعة كشفت لموقع “الجريدة” أن تشكيك الراعي وصرخته التحذيرية في هذا المضمار، نابعة من المخاوف التي أبداها عدد من سفراء دول كبرى وفاعلة في لبنان ودبلوماسيين أمميين، حيال تأجيل الانتخابات لأسباب عدة.

وبحسب المصادر، فإن أجواء السفراء تلك أتت من خلال الاتصالات واللقاءات التي يجرونها مع بعض المسؤولين السياسيين في لبنان، فمنهم من يجزم بحصول الانتخابات في موعدها، ومنهم الآخر يشكك بذلك لأسباب مالية تارة وأمنية وقانونية تارة أخرى، فاستشف هؤلاء الدبلوماسيون عدم جدية لدى القيمين على الشأن الانتخابي باحترام الاستحقاقات الانتخابية، وسير العملية السياسية.

ويدور الهمس في الكواليس السياسية، بأن عوائق عدة لاتزال تقف كحواجز في طريق اجراء الانتخابات، رغم التحضيرات اللوجستية والقانونية التي تجرى على قدم وساق.

ومن المعوقات التي تطرح بقوة، قرار وزارة الخارجية اقفال عدد من السفارات اللبنانية في الخارج، ما يعيق انتخابات المغتربين، ويعرض العملية الانتخابية للطعن أمام المجلس الدستوري، فضلًا عن توجه التيار الوطني الحر لطلب إعادة النظر بالمادة المتعلقة بتصويت المغتربين في قانون الانتخاب.

وتسود أجواء في “الصالونات الحزبية”، بأن الانتخابات لن تحصل بهذه السهولة.. فمعظم الأطراف تنتظر الحدث الذي يبرر تأجيلها، أو البحث عن ذرائع مقنعة للرأي العام اللبناني، وللمجتمع الدولي. ويردد بعض الحزبيين المشاركين في الماكينات الانتخابية القول: “إن حصلت الانتخابات، عم نعمل يلي علينا”!

مرد هذه الأجواء، دراسات وإحصاءات انتخابية، وحسابات سياسية، أجرتها قوى عدة، أفضت الى نتيجة بأن لا مصلحة بخوض الانتخابات في ظل المرحلة الراهنة، لغياب التمويل الانتخابي الخارجي، والخوف من تراجع شعبية بعض الأحزاب، والفوضى الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وغياب أحد المكونات الأساسية في الطائفة السنية عن الساحة الانتخابية والسياسية… وبالتالي إجراء الانتخابات قد يعود بالضرر على المستويين السياسي والوطني، والحل الأفضل بتأجيل الانتخابات حتى تنضج ظروفها.

أوساط سياسية على صلة بالبطريركية المارونية تنفي، عبر “الجريدة”، امتلاك الراعي معلومات خاصة حول تأجيل الانتخابات. وتؤكّد بأن تحذير “الكنيسة” يهدف إلى قطع الطريق على أي نية ومحاولة لتأجيل الانتخابات، بعدما شعر البطريرك بمناخ من التأجيل ساد خلال الأسبوع الماضي، لدواعٍ غير مفهومة ومبررة.

وتشير الأوساط نفسها الى أن الكنيسة حريصة على حصول الانتخابات، كجزءٍ أساسي لاستمرار النظام الديموقراطي، فضلًا عن أن تطيير الانتخابات النيابية سيؤدي الى تمديد للمجلس النيابي الحالي، وبالتالي الإطاحة باستحقاق رئاسة الجمهورية، ما يُشرّع الأبواب لفراغٍ طويل الأمد في سُدّة رئاسة الجمهورية، الموقع المسيحي الأول والأهم في الدولة، ما يضع مستقبل المسيحيين على محك الخطر الوجودي، في ظل واقع الانهيارات الاقتصادية والمالية في البلد، واضمحلال الدولة المنقسمة الى دويلات غير معلنة، متناحرة مع بعضها، ووضع إقليمي ـ دولي متفجر.

أما السبب الأكثر أهمية، بحسب الأوساط، فيتعلق بردة فعل المجتمع الدولي والجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، الذين يعتبرون أن إنجاز انتخابات، حرة ونزيهة، تنبثق عنها سلطة شرعية وأصيلة، هو أحد أهم المعابر لاستئناف التفاوض مع صندوق النقد والدعم المالي للبنان.

وتختم الأوساط بالتأكيد بأن عظات الراعي، ستتضمن بشكل دائم نداءات تحذير للسياسيين من تأجيل الانتخابات وتداعياتها السلبية، ودعوات لإجرائها في موعدها.