| ناديا الحلاق |
أن ترى مواطناً يحجز “موقفاً”، من خلال وضع العوائق والكراسي والدراجات النارية، حفاظاً على ما يظنه “حقاً مكتسباً” له، من المشاهد الشائعة والنافرة في بيروت. وأن ترى شارعاً يخلو من مواقف السيارات الخاصة أمر طبيعي أيضاً. هذا هو الواقع في منطقة قريطم في العاصمة بيروت. معاناة يومية تتسبب بالعديد من الإشكالات بين المواطنين.
هنا مواطن يحجز كل الرصيف كي يركن هو وأولاده سياراتهم، فيقع في تلاسن مع جيرانه لـ”اغتصابه” الشارع وتتطاير الشتائم. وهناك مواطن آخر “احتل” مساحة على الإسفلت بواسطة أحواض مزروعات، ظناً منه أنه ورثها عن والديه، لأنها قرب منزله أو دكانه. وثالثٌ قرر، بمبادرة فردية، تنسيق مساحة لركن سيارته، بالتناوب مع جاره على حجزها، فغضب جار ثالث وناصبهما العداء.
الوضع في منطقة قريطم أصبح مزرياً، وسكان المنطقة لطالما رفعوا الصوت عالياً بسبب معاناتهم اليومية في رحلة البحث عن “صفّة”، بعد أن احتُلت شوارع وأرصفة من قبل مواطنين، في ظل غياب المواقف الخاصة التي قد تخفف عنهم جهد البحث عن مكان لركن سياراتهم.
اشتكى عدد من أهالي المنطقة، لا سيما سكان الأبنية القديمة، لـموقع “الجريدة”، عجزهم عن إيجاد “صفة” وغياب المواقف الخاصة في المنطقة. ففي شوارع قريطم المكتظة، يتحسّر المواطن، ويصل به الأمر إلى مرحلة اليأس، بعد محاولاته الفاشلة في إيجاد مكان يركن فيه سيارته، فينتهي به الأمر ليضعها “وين ما كان ليطلع على بيتو” وبعدها يتفاجأ بمخالفة مرور متروكة على سيارته.
وفي هذه المنطقة، وكغيرها من مناطق بيروت، غالباً ما نجد نصف السيارة مركونة على الرصيف، أو نصفها على الرصيف، الأمر الذي يجبر المارة على السير وسط الطريق، مما يجعلهم عرضة لحوادث مرورية خطيرة، ويجبر كذلك سائقي السيارات على السير بحذر حتى لا يقع احتكاك بتلك السيارات المتوقفة.
وعلى الرغم من أن مواقف السيارات تشكل عبئاً إضافياً على السكان، لما يتكبدونه من أموال بسبب اشتراكاتها الشهرية الباهظة، إلا أن أن قيامها أصبح مطلباً ملحاً من أهالي المنطقة للتخلص من “لعنة الصفّة”.
موقع “الجريدة” حمل أسئلة سكان المنطقة وشكاويهم إلى رئيس بلدية بيروت، وقوى الأمن الداخلي، وسألهم عن خطتهم للتربص بكل مخالف يحاول احتلال الشوارع و”تملّكها”، وعن التنسيق بين القوى الأمنية وبلدية بيروت في هذا الإطار، وما إن كانوا يستطيعون إزالة العوائق من أمام “المحميات الأمنية” لبعض السياسيين في المنطقة، أم ان خطتهم الامنية، إن بدأت، ستقصر على المواطن فقط؟
كما سألناهم عن مشاريع المواقف الخاصة الضخمة التي لطالما تحدث عنها رؤساء بلدية بيروت السابقين؟
ولكن…”لا تندهي.. ما في حدا”. ولم نلقَ أية إجابة من المعنيين.
أما محافظ بيروت القاضي مروان عبود فيرى أن “مشكلة مواقف السيارات في بيروت هي مشلكة متجذّرة منذ سنوات، ويقع اللوم الأكبر على من قام ببناء الأبنية التي تخلو من المواقف في المدن، والتي لا تخضع لشروط هندسية وتقنية صارمة تفرض منح الرخص لتشييد المواقف مع كل بناء”، مشيراً إلى أن “المسؤولية في هذا الاطار مشتركة، وليست على جهة واحدة فحسب”.
كما دعا أهالي بيروت، “وفي حال معاناتهم من موضوع الصفات، لتقديم شكوى إلى المحافظ ويعدهم بالتحرك فوراً”.
أما في ما يخص المحميات الأمنية فيؤكد أنها “لم تُقام في أيامه”، إلا أنه مستعد لطرح المشكلة على وزارة الداخلية لمعالجتها، “ولكن كي يتمكن من ذلك عليه أن يتلقى شكوى رسمية من سكان المنطقة كي يستطيع التحرك”.
أما الخبير في السلامة المرورية ميشال مطران فيقول إن “كل مدينة بيروت، والمدن بشكل عام، تعاني من الاكتظاظ المروري وعدم امكانية ايجاد مواقف للسيارات. هذه المشكلة إن أردنا معالجتها لا بد من العودة إلى أسبابها الرئيسية التي تعود إلى العام 1990، وتحديداً عندما تقرر تصميم مدينة حديثة لبيروت، فحينها لم يُؤخذ بعين الاعتبار التنظيم المدني الحديث، وهو ما تسبب بهدذ الأزمة الحاصلة لليوم”.
ويرى أن “النسق العالمي اليوم، في ما يخص التنسيق المدني، يتجه نحو ايجاد وسائل النقل العام المشتركة، وليس تأمين مواقف خاصة لركن السيارات”، معتبراً أن “تأمين المساحات والحدائق العامة بهدف ردّ المدن إلى المشاة، أهم وأجدى من العمل على قيام المواقف الخاصة”.
أما بالنسبة لما يسمى بالمحميات الأمنية فيوضح مطران أنها أصبحت “ضمن إطار البرستيج أكثر منها من الاجراءات الأمنية، ومن الصعب فكّها، خصوصاً أن من فيها من أهل السياسة والأمنيين ولديهم الحصانة والتغطية الكافية لبقائها”.
وفيما يخص احتلال الشوارع والأرصفة، فيشدّد على أنها “من ضمن مهام القوى الأمنية والبلدية، وتقع على عاتقهم مسؤولية تحريرها من أيادي السكان”.
ويبدو أن سكان المنطقة عليهم يتعايشوا مع الفوضى التي تعمّ شوارع وأرصفة قريطم، وأن يدركوا أن الجهات المعنية بتنظيم المرور وتنظيم الحركة العمرانية، لن تتخذ إجراءات رادعة تحد من هذه الظاهرة السلبية، ولن تعمل على قيام المواقف الخاصة للحد من هذه المعضلة المستعصية، وستبقى معاناتهم إلى أبد الآبدين!