المليار يورو .. و”الشراكة” اللبنانيّة ـ الأوروبيّة!

| جورج علم |

افتتح “الماراتون الأوروبي” في لبنان مسؤول السياسة الخارجيّة والأمن جوزيب بوريل، خلال زيارته بيروت، مطلع كانون الثاني الماضي. بعده كرّت السبحة: رؤساء دول، وحكومات، ووزراء خارجيّة… حطّوا الرحال في العاصمة اللبنانية. آخر الضيوف كانت وزيرة خارجيّة هولندا هانكي بروينز سلوت. وعلى الطريق المزيد من الوفود الأوروبيّة. ربيع ناشط، وصيف واعد. فماذا في التفاصيل؟

عناصر الجذب ثلاثة: انفجار مرفأ بيروت. الفراغ الرئاسي وتلاشي المؤسسات الرسميّة. حرب الجنوب.

أما الدوافع: العلاقة السياسيّة التي تجمع الإتحاد الأوروبي ولبنان، والعلاقات الإقتصاديّة الوثيقة في إطار إتفاقية الشراكة بينهما، والتي دخلت حيّز التنفيذ في نيسان 2006.

وتركّز هذه الشراكة على القيم والمصالح المشتركة، وتتضمّن حواراً سياسيّاً وأمنيّاً وإقتصاديّاً وإجتماعيّاً منتظماً، وإتصالات واسعة النطاق بين الأشخاص، ومساعدات تنموّية وإنسانيّة مهمّة.

ولا شيء يمتّ بصلة إلى الإرتجال، أو المؤامرة، كما يتعاطى البعض في بيروت، مع المليار يورو.

يعتمد الإتحاد الأوروبي في علاقته مع لبنان على سياسة “الجوار” الأوروبيّة. ويقدّم نفسه كأكبر شريك تجاري للبنان. وتهدف الإتفاقيّة المبرمة إلى تعزيز حقوق الإنسان، والحوار السياسي، وحريّة تنقل السلع، والتعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي، ودعم الديمقراطيّة، والحكم الرشيد، والإندماج الإجتماعي، والتعليم، والتنمية المستدامة في لبنان.

ولا شيء إسمه إرتجال، أو مؤامرة. هناك إتفاقيات مبرمة. هناك خريطة طريق واضحة المعالم متفاهَم بشأنها. وهناك إلتزامات، مقابل مساعدات. ويأخذ الدعم الأوروبي للديمقراطيّة وحكم القانون في لبنان، أشكالاً متعددة، إذ يساهم في تطوير مؤسسات عامة مستقلة، وفاعلة، وخاضعة للمحاسبة، ولاسيما القضاء، وإدارة السجون. علاوة على ذلك، يدعم “الإتحاد الأوروبي” المجتمع المدني اللبناني كشريك فاعل في صنع القرار السياسي.

وتجري المؤسسات الأوروبيّة حواراً منتظماً مع مجموعات نخبويّة بهدف الوقوف على الإحتياجات الحقيقيّة للسكان في ما يتعلق بحقوق الإنسان، والحكم الرشيد، والتنمية.

وللإتحاد الأوروبي “مصلحة كبيرة في تقوية الدولة اللبنانيّة، وجعل لبنان أحد عناصر الإستقرار الإقليمي”. ويتعاون بصورة خاصّة مع الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة بهدف تعزيز التماسك الوطني، والتأكيد على دور الدولة كجهة شرعيّة وحيدة مسؤولة عن توفير الأمن، وتعزيز الحوار السياسي لإرساء الأمن والإستقرار والسلام في البلاد.

ولا شيء في برنامج المليار يورو إسمه إرتجال، أو مؤامرة، إلاّ إذا قررّ بعض “أمراء لبنان” الإستمرار في سوق “المال ـ قبّان”، يزايدون بملف النزوح. فالكل على علم، وإطلاع، أو يفترض أن يكونوا كذلك، إذا ما صنّفوا أنفسهم في عداد المسؤولين الغيورين على مصالح شعبهم، ووطنهم. ذلك أن المفوّضيّة الأوروبيّة، ومنذ سنوات طويلة، خصّصت 769 مليون يورو، لمواجهة تداعيات الأزمة السوريّة على لبنان. وقرّر “الإتحاد”، ومنذ سنوات طويلة، تخصيص جزء كبير من المساعدات الإنسانيّة، وغير الإنسانيّة، للدول المجاورة لسوريا، بهدف إستيعاب أزمة النازحين من خلال الصندوق الإئتماني الإقليمي (مداد)، ويلبي هذا الصندوق الإحتياجات المتعلقة بقدرة النازحين السوريّين على التعافي في الدول المجاورة، وبينها لبنان.

هنا يبرز السؤال المفصلي: أين كان لبنان الرسمي من كل ذلك، وهو الذي كان ملمّاً ومطلعاً على عناوين وتفاصيل وما يرسمه ويحضّره الإتحاد الأوروبي على هذا الصعيد؟!

كان لبنان الرسمي قد أبرم مفاوضات حول إتفاقية شراكة مع الإتحاد الأوروبي في أواخر عام 2001. ووقّع الطرفان على الإتفاق في كانون الثاني 2002، وأصبح يعرف بإسم “إتفاقيّة الشراكة بين لبنان والإتحاد الأورروبي”. وأعطت “خطة العمل” في 19 كانون الثاني 2007، زخماً جديداً للعلاقات الثنائيّة، في إطار “سياسة الجوار الأوروبيّة”.

ويصنّف لبنان كواحد من أبرز المستفيدين الرئيسيّين من “منظمة البحر الأبيض المتوسط” من المساعدات المجتمعيّة من الإتحاد الأوروبي. كما اعتمد “الإتحاد” خطة إستراتيجيّة للبنان خلال 2007 ـ 2013. ومن ثم البرنامج الإرشادي الوطني 2007 ـ 2010. وتمّ إعادة تركيز المساعدة المقدمة بعد “حرب لبنان الثانية”، من أجل الإنخراط في مساعدة حقيقيّة للحكومة والمجتمع في إعادة بناء البلاد وإصلاحها.

لقد خرجت المليار يورو باكراً إلى سوق المداولات، والمزايدات، والبيع والشراء، والبحث عن الحصص والمكاسب. وأُلبست رداء المؤامرة، فيما الحقيقة واضحة، وقد أفردت الإتفاقيّة المبرمة مع الإتحاد الأوروبي نصاً للإعتراض. “تتمّ تسوية المنازعات، أمام مجلس الشراكة، ولجنة الشراكة، وعشر لجان قطاعيّة تتألف كلّ منها من ممثلين عن الجانبين اللبنانين والأوروبي”. ومن يرى في “المليار” خطراً على السيادة، والديمومة، فليبادر، باب الإعتراض واضح، ومفتوح…