|أسماء إسماعيل|
ثمّة واقع استهلاكي فرضه العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان. قد تكون هناك وفرة في وصول السلع إلى المناطق التي تقع وراء الشريط الحدودي، إنما القدرات الشرائية في أدنى مستوياتها، ما انعكس سلباً على النشاط الاقتصادي. ورغم زيادة أعداد المقيمين في مناطق الاستضافة، إلا أن قسماً منهم هم نازحون يقنّنون استهلاكهم، ولا تغريهم العروضات التي يقدّمها التجّار. وهذا التقنين ينطبق على السلع الغذائية والأساسية، ما يعني أن السلع المعمّرة أو غير الضرورية لم تعد مدرجة على سلّم استهلاك الأسر.رغم الزيادة العددية للمقيمين في البلدات المستضيفة للنازحين، إلا أن النشاط التجاري لم يسجّل تحسّناً. يعود ذلك إلى أن النازحين يتلقّون حصصاً غذائية شهرية، بالإضافة إلى مساعدات عينية، وخدمات مجانية. في تبنين، حيث تستوعب المدينة بين 200 و230 أسرة نازحة، وفق بيانات إحصائية لبلدية تبنين وجمعية «ألفا»، يقول أحد أصحاب السوبرماركت، إنه مع بداية الحرب بدأ يلاحظ انكماشاً في الاستهلاك، ما دفعه إلى تقليص مخزونه من الحبوب والبقوليات والمعلبات التي ينخفض الطلب عليها مقابل زيادة الطلب على الألبان والأجبان والخضر والخبز بنسبة تتراوح بين 40% و50%. قد تعزى هذه الزيادة في الطلب على هذه الأصناف تحديداً إلى التكافل الاجتماعي، إذ يشير مالك السوبرماركت إلى أنه يقدّم حسومات للعائلات النازحة، «لكنهم يتذمّرون بسبب انخفاض قدراتهم المالية».
في الواقع، يتواصل تدفق السلع والمواد الغذائية والأساسية إلى المناطق المتاخمة لما يسمّى الشريط الحدودي، فلا توجد أصناف مفقودة ويستمر توافد مندوبي الشركات لتوزيع بضائعهم. هي عملية تكيّف مع مجريات الحرب. فالنازحون أنقذوا معروب من ركود المبيعات الذي كانت تعانيه شتاء كون معظم الزبائن هم من المصطافين. الحرب دفعت العديد من العائلات إلى الإقامة في هذه البلدة. تقول إحدى السيدات إن عدد أفراد الأسر التي وصلت إلى البلدة لا يقلّ عن ستة أو سبعة أشخاص، ومنهم عدد كبير من التابعية السورية الذين نزحوا من منطقة الوزاني في قضاء مرجعيون. يستهلك هؤلاء الكثير من الخضر والخبز والألبان والأجبان والبيض. انعكس الأمر تحسناً في المبيعات بنسبة يقدّرها أصحاب المحال التجارية هناك بنحو 15% مع فروقات بين محل وآخر. واللافت أن السوق هناك أُغرقت بالبضائع البديلة التي ازداد الطلب عليها. يقول أحد العاملين في مؤسسة تبيع الأدوات المنزلية، إن الحركة التجارية بلغت ذروتها في مطلع كانون الأول، العام الماضي، بعد انتهاء الهدنة في 24 تشرين الثاني، إذ توافد النازحون بعد هذا التاريخ لشراء أدوات وتجهيزات أساسية للطبخ والأكل والشرب مثل الزجاجيات والبلاستيكيات وغيرها. لاحقاً، تراجعت حركة مبيعات هذه الأصناف.
يختلف المشهد في المناطق الحدودية، إذ يصعب أن تصل لحوم البقر والدجاج الطازجة بشكل يومي، ما دفع الصامدين هناك إلى استهلاك «المونة». في كل بيت جنوبي مونة للشتاء هي عبارة عن حبوب وبقوليات وكشك ومربيات وسواها. بحسب رئيس بلدية عيترون سليم مراد، إن «المواد الغذائية القابلة للتخزين متوافرة، أما اللحوم والخضر فيتطلب الحصول عليها مغادرة القرية إلى قرى مجاورة آمنة تحت طائلة التعرض لخطر التنقل».
ولا ينحصر النشاط الاقتصادي بالحركة التجارية. فالمناطق الجنوبية تشتهر بزراعة التبغ. العدوان الإسرائيلي اليومي يهدّد هذا الموسم الذي تعتمد عليه عائلات من النازحين والصامدين وفي قرى الاستضافة أيضاً. في عيترون، سجّلت عودة 25 عائلة للالتحاق بموسم التبغ. زراعة تتطلب مجهوداً هائلاً من كل العائلة، إنما في هذه الأوضاع تنطوي على مخاطر الحرب، إضافة إلى مخاطر «التأخّر في تجهيز الأرض للزرع وتزويدها بالأسمدة» بحسب ما يقول رئيس البلدية سليم مراد. والأمر نفسه يحصل في شقرا كون أغلب المناطق الصالحة للزراعة تقع على مسافات نائية ومواجهة للعدوان.
ويتحفّز الطلب الاستهلاكي في هذه المناطق بالتكافل الاجتماعي. إذ يشير رئيس بلدية شقرا اسماعيل الزين، إلى أن البلدية استقبلت 187 عائلة سورية و160 عائلة من القرى الحدودية، وهي توفّر لهم المسكن والتجهيزات: «كل منزل يحصل من البلدية على 40 كيلوواط ساعة من الكهرباء شهرياً، ويجري تأمين خزانات مياه للبيوت المهجورة على نفقة البلدية أو تقدمة من أصحاب البيوت». ويضيف: «بالتعاون مع أهالي شقرا، تؤمّن البلدية قوارير الغاز وحصصاً تموينية ومساعدات عينية، بالإضافة إلى مبادرات بعض المؤسسات التجارية التي قدمت عروضات على العديد من السلع لكل الزبائن». ويقول مراد إنه «لولا وجود جهات راعية، لما توافرت القدرة على صمود الأهالي، لافتاً إلى أن «مولّدات البلدية تعمل على مدار الساعة، ويتم توفير الطاقة من دون جباية، والآبار الخاصة تلبّي حاجات السكان للمياه، ويجري جمع النفايات كلما سنحت الظروف الأمنية بذلك. ويتعاون حزب الله مع البلدية لتوفير المحروقات وصيانة الأعطال في الخدمات العامة أو في الآليات وسيارات الإسعاف والدفاع المدني».
وبحسب الزين، فإن جمع النفايات وفرزها وإعادة تدويرها في المعمل التابع لشقرا، دونه مخاطر كبيرة، لأن موقع المعمل، جنوب البلدة، مواجه للمنطقة التي تتعرض للقصف الإسرائيلي.