| فرح سليمان |
في خطوة تُعد من أبرز ملامح المسار الإصلاحي المالي في لبنان، أقرّ مجلس النواب، خلال جلسة تشريعية عقدها يوم الخميس، قانوناً يرفع السرية المصرفية عن الحسابات المصرفية، بما يشمل معاملات تمتد حتى عشر سنوات إلى الوراء.
القانون، الذي نال تأييد 87 نائباً، يشكّل استجابة مباشرة لمطالب صندوق النقد الدولي، ويأتي في وقت تخوض فيه البلاد مفاوضات حساسة مع المؤسسات المالية الدولية وسط أزمة اقتصادية حادة تعصف بها منذ عام 2019.
يطال القانون الجديد صلب العلاقة بين المواطنين والنظام المصرفي، إذ يمنح مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف صلاحية الاطلاع على الحسابات المصرفية وتفاصيلها الكاملة، ضمن إطار قانوني محكم.
كما يشمل هذا الإجراء تعديلات في قانوني السرية المصرفية والنقد والتسليف، تسمح للسلطات المختصة بتتبع حسابات محددة يُشتبه في ارتباطها بالفساد أو تبييض الأموال أو التهرب الضريبي، شرط وجود مسوغات قانونية واضحة.
وتتزامن هذه الخطوة مع انعقاد اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، حيث يشارك وفد لبناني رفيع يسعى لاستعادة ثقة المجتمع الدولي من خلال إظهار جدية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
ومن المتوقع أن تشكل هذه التعديلات ورقة دعم إضافية في يد الوفد اللبناني في المباحثات الجارية.
ورغم التوافق النيابي الواسع على القانون، إلا أن النقاشات داخل الجلسة لم تخلُ من اعتراضات وتحفّظات، إذ أبدى بعض النواب قلقاً من تعارض بعض مواد القانون مع مبدأ حماية الحسابات الفردية، فيما شدّد آخرون على ضرورة أن تبقى آليات الكشف محصورة بجهات لبنانية فقط، في إشارة إلى رفض أي تدخل خارجي في شؤون البلاد المالية.
وفي موازاة النقاش المالي، شهدت الجلسة أيضاً تطرقاً إلى ملف الانتخابات البلدية، لا سيما في العاصمة بيروت، لكن الطابع الخلافي للملف الطائفي دفع برئيس المجلس نبيه بري إلى تأجيل البحث في مشاريع القوانين المتعلقة بها، وإحالتها إلى اللجان المختصة، ما يعكس استمرار حالة الجمود في ملف إعادة تنظيم التوازن الطائفي داخل البلديات الكبرى، في ظل غياب نصوص قانونية تفرض المناصفة البلدية كما هو معمول به في البرلمان.
القرار بتكليف لجنة خاصة لمتابعة ملف الانتخابات البلدية في بيروت، برئاسة نائب رئيس المجلس، يُنظر إليه كمحاولة لتهدئة التوتر السياسي والتوصل إلى توافق وطني قبل حلول الاستحقاق الانتخابي المنتظر في أيار المقبل.
بذلك، يبدو أن البرلمان اللبناني اختار أن يمضي في مسار الإصلاح المالي، ولو جزئياً، بينما يبقي ملفات الخلاف السياسي رهينة النقاشات المؤجلة، وبين مطالب صندوق النقد وسقف التوافقات الداخلية، تترنح خطوات الإصلاح، لكنها لا تزال قائمة.