توقّع “البنك الدولي” أن يتسبّب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بـ”عودة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود”، رغم التوقعات المتفائلة التي تحركها السياحة وتحويلات المغتربين في بلاد تشهد أزمة خانقة.
وفي تقرير له، أشار “البنك الدولي”، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، إلى أن “تداعيات الصراع الحالي، أثرت على الانتعاش الطفيف الذي حققه لبنان الغارق في أزمة اقتصادية عميقة منذ سنوات”.
وقال البنك الدولي في تقريره: “قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كان من المتوقع أن يسجل الاقتصاد – لأول مرة منذ عام 2018 – نمواً طفيفاً في عام 2023 (بنسبة 0.2%)، ويعود السبب في توقع معدل نمو إيجابي إلى الموسم السياحي الذي حقق عائدات كبيرة في الصيف، وتحويلات المغتربين”.
أضاف: “باندلاع الصراع الحالي، من المتوقع أن يعود الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود. وبافتراض استمرار الوضع الحالي المتمثل في احتواء المواجهة العسكرية على الحدود الجنوبية، تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد سينكمش، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الصدمة التي أصابت القطاع السياحي على وجه التحديد، ومن المتوقع أن يتراوح انكماش إجمالي الناتج
المحلي الحقيقي بين -0.6% و -0.9% وفقاً لحجم الصدمة التي سيشهدها القطاع السياحي”.
وأورد البنك الدولي أن “أكثر من نصف حجوزات السفر إلى لبنان لتمضية العطلة الشتوية ألغيت”، محذراً من أن “اعتماد لبنان على السياحة وتدفقات التحويلات المالية، لا يمثل استراتيجية اقتصادية سليمة، أو خطة لحل الأزمة الاقتصادية، فنظراً للتقلبات في قطاع السياحة وتعرضه لمخاطر الصدمات الخارجية والداخلية، لا يمكن لهذا القطاع أن يكون بديلاً عن محركات النمو الأكثر استدامة وتنوعاً”.
وجاء في نص تقرير “البنك الدولي”:
بيروت، 21 كانون الأول /ديسمبر، 2023 – بعد مرور أربع سنوات على الأزمة الاقتصادية والمالية، لا يزال إطار الاقتصاد الكلي في لبنان يعاني ضعفًا شديداً. ووفقاً لأحدث تقرير للمرصد الاقتصادي للبنان الصادر عن البنك الدولي اليوم، فإن آثار وانعكاسات الصراع الدائر المتمركز في غزة تُمثّل صدمة إضافية كبيرة لنموذجَ النمو الاقتصادي اللبناني غير المستقر. وما لم يتم تنفيذ خطة شاملة لحل الأزمة، فلن تكون هناك استثمارات طويلة الأجل ومجدية، وسيعاني لبنان مزيدًا من التآكل في رأسماله المادي والبشري والاجتماعي والطبيعي.
يقدّم عدد خريف 2023 من تقرير المرصد الاقتصادي للبنان الصادر تحت عنوان: “في قبضة أزمة جديدة” تحديثًا للتطورات الاقتصادية الرئيسية ويُقيّم انعكاساتها على الآفاق المستقبلية للبلاد. أما القسم الخاص من التقرير والذي جاء بعنوان “تأثير الصراع في الشرق الأوسط على الاقتصاد اللبناني” فيُقيّم تأثير الصراع الحالي وانعكاساته على الاقتصاد اللبناني وآفاق نموه وسط فراغ سياسي ومؤسسي طال أمده.
قبل نشوب الصراع الحالي، كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد – لأول مرة منذ عام 2018 – نمواً بنسبة 0.2% في عام 2023.
وبدا أن الاقتصاد اللبناني قد بلغ قاعاً مؤقتاً بعد سنوات من الانكماش الحاد. وأتى هذا النمو الهامشي مدفوعًا في الغالب بعوامل شديدة التقلّب: نمو الاستهلاك الناجم عن موسم سياحي صيفي قوي، وتدفق كبير للتحويلات المالية، وزيادة دولرة الرواتب، بالإضافة إلى علاماتٍ على استقرار (مؤقت) في نشاط القطاع الخاص. وفي ظل الصراع الحالي وغياب الاستقرار الاقتصادي على النطاق الأوسع، من المتوقع أن يعود الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود في عام 2023. ووفقًا للتقرير، لا تزال اختلالات الاقتصاد الكلي قائمة، حيث لا يزال الحساب الجاري يعاني عجزًا كبيرًا يصل إلى 12.8% من إجمالي الناتج المحلي.
ومن المتوقع أن يتسارع معدل التضخم – الذي فاق الـ100% منذ عام 2021 – إلى 231.3% في عام 2023، مدفوعًا بانخفاض سعر الصرف (خلال النصف الأول من عام 2023) والدولرة السريعة للمعاملات الاقتصادية. علاوة على ذلك، تصدّر لبنان قائمة البلدان الأكثر تأثراً بالتضخم الاسمي لأسعار المواد الغذائية في الربع الأول من عام 2023 (بنسبة 350% على أساس سنوي في أبريل/نيسان 2023)، مما أدى إلى تفاقم هشاشة الظروف المعيشية للفئات الأشد فقرًا والأكثر احتياجاً من السكان. ولا يزال الدين السيادي الذي بلغ 179.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 غير مستدام وسط انخفاضٍ حاد في قيمة العملة وانكماشٍ اقتصادي، وفي ظل غياب إعادة هيكلة شاملة للديون.
وتعليقًا على ذلك، قال جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي: “في ظل التقدم المحدود نحو خطة شاملة لحل الأزمة، لا يزال لبنان غارقًا في أزمة اجتماعية واقتصادية ومالية كبرى، تفاقمت بسبب الجمود المؤسسي والسياسي.
وبالرغم من أن السياحة ساهمت إيجابياً في النمو الاقتصادي خلال الفترة الماضية، لا يمكن لقطاع السياحة وحده أن يكون بديلاً عن محركات النمو الأكثر شمولاً واستدامةً وتنوعًا، والتي يمكنها أن تساعد البلاد على تحمل الصدمات بشكل أفضل والمساعدة في إعادة اقتصادها إلى مسار التعافي القوي.”
وقد شرع مصرف لبنان في إصلاحات محدودة ولكنها مشجعة، وسط استقرار نسبي في سعر الصرف. مع ذلك، لا يزال يتعين إدخال تغييرات جوهرية على الرقابة المصرفية وإدارة السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف من جانب المصرف المركزي. ولا يزال استمرار غياب تسوية منصفة للقطاع المصرفي تشتمل على توزيع مسبق للخسائر، وعمليات الإنقاذ وإعادة الهيكلة، يُقوّض آفاق التعافي في لبنان.
وقد شكّل التدفق الكبير للتحويلات النقدية – التي تمثل شريان الحياة للبنان منذ وقت طويل – شبكةَ أمانٍ اجتماعي بحكم الأمر الواقع وساهم في تحقيق زيادة طفيفة في الاستهلاك المحلي. غير أن التحويلات وحدها لا تكفي لتلبية احتياجات لبنان من التمويل الخارجي. وفي غياب مصادر تمويل أخرى، فقد يتطلب العجز المزدوج في الحساب الجاري وحساب المالية العامة المزيد من عمليات السحب من احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية.
ويتناول القسم الخاص من تقرير المرصد الاقتصادي للبنان تأثير الصراع الجاري – الذي دخل الآن شهره الثالث – على الاقتصاد اللبناني. ونظراً لأن السياحة شكّلت نحو 26٪ من عائدات المعاملات الجارية في عام 2022، فإن ديناميكيات النمو والحساب الجاري تتأثر بشدة بالصراع الدائر. وبافتراض استمرار الاحتواء الحالي للمواجهة العسكرية على الحدود الجنوبية، فقد وجد سيناريو تحليلي لتقييم تأثير انخفاض الإنفاق السياحي على النمو الاقتصادي أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي سينكمش بنسبة 0.6% إلى 0.9% (مما يعكس خط الأساس الإيجابي قبل الصراع البالغ 0.2% في عام 2023).