| خلود شحادة |
لأول مرة، لم يسأل وليد جنبلاط “إلى أين؟”. كان يمتلك الإجابة أننا ربما ذاهبون “نحو الأسوأ”. وبهذه العبارة اختصر الجواب عمّا يدور في أذهان الصحافيين من أسئلة حول توقعاته للمرحلة المقبلة، وما إن كانت قد قُرعت طبول الحرب أم لم تُقرع!
شرّع جنبلاط أبواب الجبل للنازحين “المفترضين” إن اندلعت الحرب جنوباً مع العدو الإسرائيلي، معلناً أن بيوت الجبل مفتوحة، ومدارسه ومستشفياته ستستقبل أهل الجنوب “إن نزحوا”، على “الرحب والسعة”.
ما قاله الـ “بيك”، أشبه بإعلان خطة طوارئ للحرب، من تجهيز مستشفيات، إلى تحضير المدارس، وتأمين المساعدات والحصص الغذائية وسواها، وهذا ما أدى إلى تدفق سيل من الأسئلة “المشروعة”: هل يمتلك جنبلاط معطيات عن حتمية الحرب بين كيان الاحتلال ولبنان؟ أم أنه يضع خطة استباقية لحرب يفترضها كما هو حال المجتمعين اللبناني والدولي؟ أم أنها استدارة سياسية تتعلق بمتغيرات المنطقة ككل؟
موقف جنبلاط ليس مفاجئاً، خصوصاً في هذه المرحلة التي كان قد أظهر فيها نصف استدارة، وهو الذي فتح أبواب الجبل للنازحين اللبنانيين من قرى الجنوب والضاحية الجنوبية في حرب تموز 2006، فيما كان على خصومة شديدة مع “حزب الله”، إلّا أنه اعتمد الفصل بين تفاصيل الخلافات الداخلية، والحرب الشرسة التي خاضها الحزب آنذاك ضد “إسرائيل”.
حينها، أعلن رسمياً وقوفه خلف المقاومة، وتنبّأ بانتصار المقاومة في تلك الحرب قبل انتهائها بمقولته الشهيرة “لمن سيهدي نصر الله انتصار تموز؟”.
من يعرف “وليد بيك”، يدرك جيداً أنه اعتاد، تاريخياً، قراءة ما بين سطور الأحداث التي تجري في لبنان والمنطقة، ويعرف أنه يمتلك “رادارات” تلتقط الإشارات السياسية المحلية والإقليمية على نحو جيد.
إلا أنه بدا مؤخراً، وكأن علاقاته انقطعت مع “مواقع الرصد”، وبات يعتمد على التحليل أكثر من المعلومات، وهذا ما دفعه في مرات عدة إلى التراجع عن موقفه والاعتراف بالخطأ كمقولته الشهيرة عن أحداث 7 أيار “تحمست.. حمسوني”، معتبراً أنها كانت “دعسة ناقصة”.
هذا يعني أن جنبلاط يستشف احتمال الحرب كغيره، على اعتبار أن احتمالات الحرب واردة لكنها ليست حتمية، وهي ترتبط بالقرار “الإسرائيلي” في حربه على غزة.
لكن، لا يمكن القفز فوق فكرة أن ما يقوم به جنبلاط هو، نظرياً، بمثابة “ملء فراغ” كان يفترض على الحكومة أن تملأه، مع احتمال اندلاع الحرب، وجنبلاط بذلك يكرر تجربة الـ2006.
البعض يفسّر ما يقوم به جنبلاط على أنه محاولة “استنفار” الشارع الدرزي من أجل تعطيل أي محاولة لتوريطه في قضية “طعن المقاومة” في ظهرها، خصوصاً بعد ما انتشر على وسائل الإعلام من مشاهد وتقارير، توثّق الدور الفعّال لبعض الدروز في فلسطين المحتلة إلى جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، ورفع علم الطائفة الدرزية على دبابات العدو، إذ يحاول جنبلاط التأكيد على أن هذه الصورة لا تشبه الواقع الدرزي اللبناني.
ولذلك تعمّد جنبلاط إطلاق هذا الخطاب من دار الطائفة الدرزية في لبنان، ليكون ذلك بمثابة “براءة ذمّة” من رفع العلم الدرزي على الدبابات الإسرائيلية التي تقتل الفلسطينيين في غزة، والتي قد تُرفع أيضاً على دبابات العدو الإسرائيلي في حرب محتملة مع لبنان. فجنبلاط يدرك أكثر من غيره أن مصلحة الدروز ليست بأن يكونوا رأس حربة في حرب مع السّنة في غزّة وفلسطين، وفي حرب مع السنة والشيعة في لبنان.
تشير حركة جنبلاط إلى نصف استدارة سابقة، بدأها منذ فترة ليست ببعيدة، ويستتبعها اليوم باستدارة كاملة على ما يبدو، بدعمه للمقاومة الإسلامية منذ أول عملية قامت بها على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، مروراً بتبنيه موقف “حزب الله” الدفاع عن الجنوب وكل لبنان، وليس انتهاء بفتح أبواب الجبل للجنوبيين “النازحين” من الإجرام الصهيوني.
هذه الاستدارة تعني أن جنبلاط يتوقع أن تكون كفة “الانتصار” في جانب المقاومة، خصوصاً في ظل التخبّط الذي تعيشه الدول الأوروبية والولايات المتحدة على حد سواء، بسبب تبعات الحرب الأوكرانية الروسية على المنطقة ككل.
فهل قرر جنبلاط التوجه شرقاً؟ أم أنه ترك “اجر بالبور واجر بالفلاحة”، كعادته، حتى لا يخرج خاسراً من حرب ترسيم الشرق الأوسط الجديد؟