“الدراسة في لبنان” تدفع الطلاب نحو العيادات النفسية!

“الدراسة في لبنان” تدفع الطلاب نحو العيادات النفسية!

/ فاطمة ضاهر/

بعد فتح المدارس، “إنقاذاً للعام الدراسي”، بات وزير التربية في “مواجهة” مع روابط أساتذة التعليم في المدارس الرسمية، وبعض المدارس الخاصة التي رفضت فتح أبوابها، في حال عدم تحقيق أدنى مطالبها.

في هذه المواجهة، كما في كل مواجهة، هناك رابح وخاسر، وهناك من يتلقى “الشظايا” التي قد تؤثر عليه مدى العمر، والخسائر قد تكون جسدية واقتصادية.. والأهم “نفسية”.

في هذه المواجهة، لا يوجد رابح حتى اليوم، بينما هناك خاسر حتماً هو الطالب.

فالطالب يواجه، كل يوم، معضلة الجواب على السؤال المقلق: هل سيكمل عامه الدراسي بشكل طبيعي؟ بغض النظر، سواء حضورياً، أو من بعد عبر التقنيات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبنتها بعض المدارس في لبنان كمنصة تعليم، مؤقت أو دائم.

الطالب الذي لطالما التزم قرار مدرسته وأساتذته، المتوافق مع قرار الوزير، لأنه، بطبيعة الحال، هو غير قادر على فرض خياره في المسائل التعليمية والتي تعتبر مصيرية، ولأنه في الأصل، من مهمة وزارة التربية واللجان والمؤسسات التربوية القيام بالدراسات والاحصاءات والتحاليل، للوصول الى قرار يكون سهلاً على الطلاب وأهاليهم الالتزام به.

الطالب الذي يعيش صراعاً مع نفسه ومن أجل مستقبله، تائه عن الطريق الذي يفترض أن يساعده فيه أستاذه الذي التزم الإضراب مطالباً بحقوقه.

الأهالي الذين ائتمنوا أولادهم في هذا البلد الذي أصبح فيه الوصول للأمان والسلام.. لمن استطاع اليه سبيلاً.

الصّحة النفسيّة عند الطلاب

وبما أن الشقّ النفسي للطالب، هو المؤثر الأكبر على شخصيته التي يفترض أنها تتكون في هذه المرحلة من عمره، بين أسرته، والمجتمع المكمّل أي مدرسته.

وبما أن الوضع الراهن يلعب الدور الأبرز في تشتت الطالب وتوتر الأهل، في ظل غياب المسؤولية والواقعية عما يحصل في القطاع التربوي، أجرى موقع “الجريدة” لقاء مع اختصاصية علم النفس حنان نصر، والتي شرحت مدى تأثير الواقع المتأزّم والمواجهات التربوية على الطالب وأهله.

المعالجة النفسية حنان نصر

الطالب في حالة ضياع

اعتبرت الاخصائية نصر، أن الطلاب وأهاليهم في حالة ضياع وإرباك، بسبب عدم وجود مرجعية واحدة تحدد لهم مصيرهم، وتساعدهم على اتخاذ القرار المناسب بالعودة الى المدارس، أو المكوث في المنازل والدراسة “أونلاين”.

وأكدت نصر أن الطالب “يعيش صراعاً نفسياً، يواجه فيه مستقبله المبهم، ومصيره المجهول، في ظل التحديات التي فرضتها دولته وأساتذته عليه، والأهم ترك مصيره التعليمي رهن حلّ الخلافات.

وبالنسبة لطلاب الشهادات الرسمية، نستطيع القول أن القلق والاضطراب هنا مضاعَف، لأن الدولة اللامسؤولة قد تفاجئ الطلاب بامتحانات رسمية آخر السنة، متناسية ما حصل خلال السنة”.

وتضيف: “تتشتت معلومات الطالب المكتسبة في كل مرة يُصدر فيها وزير التربية قراراً يتعارض مع مطالب الأساتذة، وتضعف ذاكرة هذه المعلومات تدريجياً مع عدم وجود برنامج تعليمي متكامل”.

ارتفاع زيارات الطلاب للعيادات النفسية

أوضحت نصر أن “الزيارات والأسئلة الموجهة من الأهالي والطلاب لأخصائي العلاج النفسي، ازدادت هذه الفترة كثيراً، خصوصاً بالنسبة لطلاب الصفوف الثانوية والجامعات”.

ولفتت الى “أن الارتفاع في الزيارات تعد ظاهرة جديدة لم تكن تشهدها العيادات النفسية قبل هذه الأزمة”.

وأشارت الى أن “اللافت في الموضوع أن الطلاب وأهاليهم أصبحوا منفتحين جداً ومتجاوبين في الشقّ النفسي، وقد تخلّوا عن الفكرة الخاطئة التي كانت موجودة عند اللبنانيين عموماً والأهل خصوصاً، وهي الخجل من المعالج النفسي، والشعور بالدونية او الخوف من المجتمع في حال زيارة العيادة النفسية!”.

ومن بين أكثر الأسئلة والهواجس المطروحة لدى الطلاب: “نحن لوين رايحين؟ مندرس أو منوقف؟ رح نعيد السنة؟ رفقاتي يللي من عمري رح يصيرو بصف أعلى السنة الجاية لأن مدرستهم ما التزمت بالاضراب؟ بحال كفّينا السنة.. شو رح يصير فينا السنة الجاية؟…”.

مجمل الأسئلة يعبّر عن هواجس ومخاوف تعكس حالة الطالب النفسي.

النتيجة في هذه الحالة واضحة، كما ذكرت نصر “معظم المستويات التعليمية في المدارس أصبحت متدنية وإلى تراجع على كافة الأصعدة، نسبة للوضع اللبناني السيء وللإحباط المتمكّن من الطالب.”

الأهل لم يسلموا أيضاً

في ما خص الأهل، فهم في “دوامة”، همهم أطفالهم الذين تضيع عليهم سنوات الدراسة في المنازل من دون علم أو تقدم، ولا من يعوّض عليهم ـ وفي حالة “الأونلاين”، تصعب على معظم الطلاب استيعاب وفهم الأفكار والمعلومات بشكل واضح وسريع ـ وهمهم في المقابل، أنهم في حال اضطروا لإرسال اولادهم الى المدار،س سيتحمّلون عبء تكلفة النقل التي باتت مصاريفها أكبر من مدخولهم الشهري.

“يعيش الأهل حالة ضغط كبيرة، وهم تائهون عن القرار الصائب، غير قادرين على توجيه أطفالهم”، كما تقول نصر، “لأنه من الصعب جداً على الأهل تمييز الخيار الأقل صعوبة لمصلحة أولادهم في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية والصحية، وهذا ما يضعهم في موقف حرج أمام أطفالهم والمجتمع”.

كيف تتمّ المعالجة؟

أكدت نصر أن “الطريق للعلاج مع الطلاب يبدأ بالواقعية، أي خوض أحاديث ومناقشة مواضيع معهم بطريقة واقعية، وليس بإيجابية مفرطة، لأن الطالب الذي يتابع الأخبار 24 ساعة في اليوم مع أهله وفي مدرسته وجامعته ومحيطه، اما عن قصد متابعتها أو بغير قصد، ويستمع الى الأحاديث التي أصبحت موحدة عند جميع المواطنين عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية الصعبة، سيصعب عليه تقبل الإيجابية الزائدة والتي ليس لها علاقة بالواقع الذي يعيش فيه الطالب”.

اذاً، المفتاح الأول هو التعاطي بواقعية مع الطالب وأهله، وعدم نكران الاُثر السلبي للوضع الصعب عليهم، بل على العكس، الإقرار بصعوبة الموقف، مع “فتح آفاق جديدة” للطالب كما أشارت نصر، أي محاولة التكلم دائماً عن أن الوضع الصعب سيتغير وستفتح آفاق جديدة، كما حال الأزمات في لبنان دائماً”.

تحاول نصر، ضمن العلاج النفسي، تحضير الطالب للمستقبل الذي لا تعده بأنه سيكون أفضل في الوقت الراهن، لأنه لا يسعها الكذب او افتراض الأحسن في ظل هذه الظروف، وفق ما قالت نصر، الا أنها تحاول اعطاءهم آفاقاً جديدة إيجابية عبر نقاشات مفتوحة تخبر فيها الطالب انه “يعمل المطلوب منه، وانه ليس وحده الذي يعيش هذا القلق، بل معظم الطلاب في لبنان يعيشون الاضطراب والخوف المستمر من الواقع، فما عليه الا الالتزام بدروسه وواجباته التي تطلبها منه المدرسة، والتفكير دائماً بإيجابية، والتحلي بالايمان أن غداً سيكون أفضل، والأزمة ستمرّ بإذن الله”.

كما قالت نصر أنه “من ضمن العلاج المعتمد في العيادات، والذي له أثر إيجابي سريع، هو توجيه الطالب لهواياته، أي مساعدته على تحديد ما يحب القيام به في أوقات الفراغ أو الأوقات التي يستشري عليه الخوف والتوتر والضغط النفسي، والطلب منه أخذ استراحة قصيرة، وعدم التفكير بسلبية، والتوجه لعمل شيء يرغب به، بذلك يكون قد أفرغ طاقاته السلبية والمشحونة”.

توصيات “نفسيّة”!

توجّه نصر بعض النصائح النفسية، للطلاب والأهالي، لتخطّي هذه الأزمة بأقل أضرار على نفسية وصحة الانسان، ومنها، الانتباه إلى العوارض التي قد تنبهنا من أزمة نفسية يعيشها المواطن لبناني، على الأخص الطالب.

من هذه العوارض: قلة النوم والقلق الدائم في الليل، انقطاع الشهية عن الأكل أو الإفراط بالأكل بشكل هستيري، تفضيل العزلة الاجتماعية والجلوس بغرفة بعيداً عن المجتمع والاهل والأخبار السيئة المتواصلة، أوجاع في الجهاز الهضمي، إنهاك وتعب مستمرّ في الجسم، الابتعاد عن أصحابه بشكل مفاجئ وعدم التواصل معهم..

في هذه الحالة يجدر على الأهل، وعلى الطالب الواعي، التنبه لبدء أزمة نفسية والإسراع بمعالجتها.