/ فؤاد بزي /
ضرب وباء “بق الفراش” باريس ومدناً فرنسية أخرى، وتسبّب بموجة من “فوبيا الحشرات”، ما طرح أسئلة كثيرة حول الصحة العامة ومدى أمان تلك البلاد لاستضافة الألعاب الأولمبية العام المقبل، ما قد يساعد على نقل الحشرة إلى أماكن أبعد، ومنها لبنان الذي قد لا ينتظر طويلاً وصول “البقّ الفرنسي”، مع حركة المسافرين التي لا تهدأ من فرنسا وإليها
عاجلاً أو آجلاً، ستصل حشرة “بق الفراش” إلى لبنان على جناح طائرة، مع حركة المسافرين شبه اليومية بين المناطق الفرنسية الموبوءة ومطار بيروت. والحشرة لا تحتاج للوصول سوى الى الاندساس في حقيبة سفر تحتوي بعض الملابس. حتى اللحظة، لا إجراءات لمكافحة الآفة على المطار وفي النقاط الحدودية، علماً أن الحشرة خرجت عن السيطرة في فرنسا منذ أيام لتصل إلى الدول المجاورة مثل بلجيكا عبر القطارات أو الطائرات.
الإحصاءات تشير إلى أن واحداً من كل 10 منازل فرنسية مصاب بالحشرة، والتقارير الواردة تشير إلى انتشار أكبر في الأماكن العامة من دور السينما وغيرها، ما يضاعف من أثر المشكلة والقدرة على الانتشار. الصور الواردة من فرنسا تشير الى ضخامة المشكلة مع رمي سكان مدن كاملة أثاث منازلهم في الطرقات وتحوّلها إلى مدن أشباح.
الحشرة التي لا يزيد حجمها على 7 ملم ليست جديدة على فرنسا وجوارها. تعيش الأنثى منها حوالي سنة، ولديها قدرة كبيرة على التكاثر. كما يشير اسمها، تعيش حشرة “بق الفراش” في غرف النوم، بين الأغطية، وفي الأماكن الأبعد عن الضوء تحت الأسرّة، كما في أيّ مكان يحتوي على فرش كمقاعد وسائل النقل من سيارات وطائرات. وهي تتغذى على الدم البشري، وتنشط في الليل، تعضّ وتسحب كمية من الدماء تاركةً خلفها جروحاً ومسببةً حكةً مزعجةً في الجلد وتورماً خفيفاً، من دون أن تسبّب، بشكل مباشر، أو تنقل، أيّ أمراض، بحسب اختصاصي الأمراض الجلدية الدكتور نبيل شعيتو الذي نصح بـ”غسل مكان العضّة بالماء والصابون، وفي حال كان تهيّج الجلد كبيراً تستخدم الأدوية بإشراف الطبيب”.
ولفت شعيتو إلى “أنّ العضّات على الجلد قد تكون في أيّ مكان من الجسد، وتأخذ أشكالاً متعدّدة؛ أشهرها شكل حبة جلدية حمراء مهيّجة للجلد ومسببةً شعوراً بالحكّة والحرق، قد تكون الدليل الوحيد على وجود الحشرة”. وطمأن شعيتو إلى “زوال العوارض بشكل تلقائي بعد حوالي عشرة أيام من العضة، شرط مكافحة الحشرة في الغرفة”، محذّراً الأشخاص الأكثر تحسساً من عوارض أكثر خطورة مثل صعوبة التنفس والتقرحات الجلدية.
العنصرية الأوروبية تحاول ربط إعادة انتشار حشرة بقّ الفراش بالمهاجرين
وكان العالم قد تخلّص من تهديد حشرة “بق الفراش” بشكل شبه كامل مطلع الألفية الحالية، وأصبحت موجات انتشارها أقل حدّة. إلا أنّ ما يجري في فرنسا اليوم وصفته المراجع العلمية بـ”المقلق”، فالحشرة تحوّرت وأصبحت أكثر مقاومةً للمبيدات الحشرية من جهة، وارتفعت قدرتها على التكاثر، إذ يمكن أنثى “بق الفراش” وضع نحو 20 بيضة يومياً. وفيما تحاول العنصرية الأوروبية ربط إعادة انتشارها بالمهاجرين، تشير المراجع العلمية إلى أنّ حركة السياحة العالمية، ونقل البضائع، وسرعة تنقل الأشخاص أدّت إلى نقل الحشرة من بلد إلى آخر، وهذا ما دفع عدداً من البلدان الأوروبية إلى إعلان حالة الطوارئ، ولا سيّما بعد رصد الحشرة في وسائل النقل مثل القطارات والطائرات.
من جهتها، أكّدت المديرة العامة لشركة “بويكر” المتخصصة في مكافحة الحشرات بانا قبرصلي “وجود الحشرة في لبنان، إنّما من دون أن تشكّل تهديداً كبيراً، أو تتسبّب بانتشار واسع النطاق”. ورأت أنّ دق ناقوس الخطر في فرنسا جاء بعد “رصد بق الفراش في وسائل المواصلات العامة، ما يعني إمكانية انتشارها بشكل كبير بين الناس”. فـ”رصد الحشرة صعب، إذ تلدغ وتمص الدم من المصاب، وقد لا يلتفت الشخص المصاب إلى سبب اللدغة، ثمّ ترتاح لمدّة 5 أيام، لتتزاوج وتبيض”.
وتخوّفت قبرصلي من وصول “البق الفرنسي” إلى لبنان عبر حقائب السفر، إذ إنّ الحشرة يمكنها البقاء داخل “سحابات” الحقائب، وتتخفّى في الغرف، ولا سيّما في حال وجود زوايا أو نقاط لا يتم تحريكها كثيراً. ونصحت القادمين من الدول الموبوءة حالياً بـ”اعتماد السبل الوقائية، وتنظيف الحقائب والملابس بالماء الساخن، وعدم إدخالها مباشرةً إلى غرف النوم، أو أماكن المعيشة في المنزل”. أمّا المقيمون في الفنادق، فـ”عليهم تفقّد الأسرّة والبحث عن وجود نقاط دم، أو نقاط سوداء صغيرة تمثل بقايا الحشرات، أو البيض الذي يشبه الغبار، بالإضافة الى رائحة العفن”.
أثر ما بعد الصدمة
“التأثير النفسي للحشرة لا يقلّ خطراً عن أثرها العضوي”، تقول المعالجة النفسية غادة شعبان. 81% من الأشخاص الذين تعرضوا للعضّ من “بق الفراش” يعانون من تأثيرات نفسية، فـ”بعض الأشخاص الذين تعرّضوا للعضّ يفقدون القدرة على النوم بشكل جيّد”. وأعادت شعبان السبب في ذلك إلى “اليقظة المفرطة، وسلوكيات التجنب، لإبعاد الحشرات غير الموجودة في الغرفة أصلاً”. وربطت بين تطور التأثيرات النفسية التي وصفتها بـ”اضطراب ما بعد الصدمة”، وصعوبة التخلص من الحشرة في المنازل المصابة بها، وأشارت الى أشخاص تخلّصوا من كلّ أثاثهم المنزلي، وآخرين دخلت الحشرة إلى بيوتهم عدّة مرات، ما ضاعف من التأثيرات السلبية، وبعض المرضى صاروا يرفضون الدخول إلى المكتبات مثلاً لأنّ “بق الفراش” انتقل إليهم منها.
الوقاية خير من العلاج
تشير المديرة العامة لشركة “بويكر” بانا قبرصلي إلى “أنّ العلاج يجب أن يحصل عند رصد أي مؤشر لوجود حشرة بق الفراش. فكلّما طالت المدة تصبح العلاجات أصعب، وقد تصل الى الطلب من أصحاب المنزل الموبوء مغادرته لمدّة معيّنة”.
أما طريقة المكافحة، فتتدرّج بحسب الحالة وتبدأ بالحرارة والبخار القاتل والطارد للحشرة. ولكن، في حال كان مستوى التفشّي كبيراً، تشير قبرصلي إلى “ضرورة عزل كلّ الأغراض المنزلية بعد تقييم حالتها، ومن ثمّ يعمد فريق متخصّص إلى تعقيمها بواسطة الغاز في عملية معقّدة، تحتاج إلى أشخاص مدربين للقيام بها”.