تمدّد إيراني .. بتغاضٍ أميركي!

| جورج علم |

حقّقت الدبلوماسيّة الأميركيّة تقدّماً في مواجهة التمدد الصيني في الخليج. حدّت من زخم الاتفاق الثلاثي السعودي ـ الصيني ـ الإيراني. فتحت مع الرياض نقاشاً معمّقاً حول أولويات المصالح المشتركة، وأعادت وصل ما انقطع من حوار مع إيران، وظهرت مؤشرات نتيجة جولات وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، على بعض دول مجلس التعاون الخليجي، منها:
• محادثات السلام حول الأزمة الأوكرانيّة التي استضافتها مدينة جدّة في 6 و7 الجاري، بمشاركة ممثلين عن 30 دولة، بما فيها الصين، وبغياب روسيا.

لعبت الدبلوماسيّة السعوديّة دوراً متوازناً، وفعّالاً، لكن المؤتمر عقد بدعم أميركي ـ أوروبي مباشر لتوجيه رسالتين:

الأولى، أن السعوديّة، التي تربطها علاقات وثيقة مع روسيا، هي أقرب إلى الولايات المتحدة، وتلبّي رغباتها باستضافة مؤتمر حول السلام في أوكرانيا لا تشارك فيه موسكو.

الثانيّة، برسم الصين، والتأكيد على أن الإتفاق الثلاثي الذي أبرم في بكين في 10 آذار الماضي قد يكون مهمّاً.. لكن ليس بمستوى العلاقة التاريخيّة ما بين واشنطن والرياض.
• ومن المؤشرات: قرار الولايات المتحدة بنشر قوات عسكريّة على متن ناقلات نفط تجاريّة تمرّ عبر الخليج، في إطار جهودها لردع إيران من احتجازها.
• المحاولات التي يقوم بها جيك سوليفان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتطبيع العلاقات مع العدو “الإسرائيلي”.
وتناولت صحيفة “فايننشال تايمز” الموضوع، مؤكدة على الشروط السعوديّة الصعبة، بينها: الحصول على ضمانات أمنيّة أميركيّة استراتيجيّة، ودعم الولايات المتحدة برنامجاً نووياً سعودياً مدنياً، والحصول على أسلحة حديثة متطوّرة، وممارسة ضغوط كبيرة على “إسرائيل” للاعتراف بحق الدولتين، ووقف التوسع الاستيطاني، والتعهد بعدم ضمّ الضفة الغربيّة…

إيرانيّاً:
يمكن تسليط الضوء على الاختراق الذي حققته الدبلوماسيّة الأميركيّة، عندما بادرت سلطات طهران إلى نقل خمسة أميركييّن من السجن إلى الإقامة الجبريّة، في خطوة أولى من اتفاق من شأنه أن يؤدي للإفراج عن 6 مليارات الدولارات من الأموال الإيرانيّة المجمّدة في كوريا الجنوبيّة، فور إطلاق سراح الخمسة في مستقبل قريب.

ويشير الإعلام الأميركي إلى أن الصفقة هذه إنما هي جزء من اتفاق ثنائي أميركي ـ إيراني يتناول الحدّ من تخصيب اليورانيوم، والبدء برفع العقوبات. وأن “إسرائيل” على اضطلاع حول حقيقة ما يجري، ولها بصمتها على مسار الأمور.

سوريّاً:

تمكّن المستشار القومي الأميركي، خلال زيارته لكل من الرياض وأبو ظبي، من إقناع “المحمدين”، الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بإعادة النظر في سياسة الإنفتاح على دمشق. هذا ما أدى إلى ردود فعل سلبيّة لدى العاصمة السوريّة عبّر عنها الرئيس بشّار الأسد في حديثه التلفزيوني الأخير، حيث انتقد بعض الدول العربيّة التي لم تفِ بالوعود والإلتزامات التي قطعتها تجاه سوريا.

وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد انتقدت عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، وسياسة الإنفتاح الخليجيّة على الرئيس الأسد ونظامه.
لبنانيّاً:

يجوز السؤال الآن: لماذا أقدمت بعض الدول الشقيقة والصديقة على الطلب من رعاياها مغادرة لبنان، واتخاذ أقصى احتياطات الحيطة والحذر، في هذا التوقيت بالذات؟ وبكلام أدق، ما صلة الوصل بين ما يجري في الخليج، وبين توقيت انفجار الوضع في مخيّم عين الحلوة؟
باب الإجتهاد مفتوح على مصراعيه، لكن الواقعيّة تقضي بسرد موضوعي لمسلسل الأحداث، وترك حرية التحليل والاستنتاج للقارئ والمتابع. حصل إهتزاز أمني خطير في مخيّم عين الحلوة، كاد أن ينتقل إلى مواقع لبنانيّة أخرى حسّاسة وخطرة، لإسقاط ما تبقى من ضمانات للسلم الأهلي الهش. وقبل أن يستتب الوضع، ويعود الهدوء بشكل تدريجي، بدأ مسلسل من نوع آخر: اغتيال في عين إبل لقيادي في “القوات اللبنانيّة”، بعض الممارسات على طول “الخط الأزرق” في الجنوب تمليها رغبات ومخططات لا علاقة لها بالسيادة الوطنيّة. كوع الكحالة، والقطوع الكبير كما وصفه الرئيس نبيه برّي، مع اختلاف في المقاربات. بري يقول إن لبنان إجتاز قطوعاً كبيراً. الحقائق تقول بأن الكوع والقطوع موجودان في الوجدان الشعبي. التحريض الطائفي والمذهبي مستمر. برميل البارود جاهز لا يحتاج أكثر من عود ثقاب.
ويواكب التفلت الأمني تفلت لما بقي يجمع بين اللبنانيين. ما يكشفه تقرير “الفاريز آند مارسال” من فضائح ماليّة، وارتكابات وتجاوزات أخلاقيّة ومعنويّة في إستباحة أموال الناس، وودائع الناس، وجنى عمر المقهورين، والمتعبين، وأصحاب المداخيل المتواضعة، والإحتياجات الخاصة، يدعو إلى التساؤل عن المشترك الذي ما يزال يجمع بين اللبنانييّن؟!

يقول البطريرك بشارة الراعي: لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وجيش وسلطة.

ويقول بعض قادة أحزاب المعارضة، إن إيران كانت شريكاً عمليّاً في اتفاق ترسيم الحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة، وإنها لن تتخلّى طوعاً عن لبنان الموقع والدور على البحر المتوسط.

ويقول منظّروا “حزب الله”، إن رياح التطورات الإقليميّة والدوليّة تهبّ وفق ما تشتهي سفن الحزب، بالتالي لا مصلحة له في التراجع، والمهادنة، طالما أن فائض القوة هو الذي يتحكّم بمصائر الأمم والشعوب. وكما أن فائض القوّة الأميركي يفرض نفوذه في الخليج، فإن فائض القوّة الإيراني يحاول أن يفرض نفوذه في لبنان.

ويقول السيناتور الأميركي تيم كاين “إن لبنان غير المستقر بشكل متزايد، يمثّل مشكلة حقيقيّة للعديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة”.

الولايات المتحدة شريكة في مجموعة الدول الخمس حول لبنان، إلى جانب إيران وروسيا. فأي لبنان يريدون، طلما أن اللبنانييّن عاجزون عن التفاهم حول أيّ لبنان يريدون؟!