عدالة “المكيالين” بين الضحية والجلاد!

| مرسال الترس |

بعد نحو ثمانية أشهر على حرب الإبادة والتدمير الشامل، التي ينفّذها كيان الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، المحاصر حتى الخنق منذ سنوات، يبدو أن المؤسسات الدولية، بمختلف تركيباتها وتسمياتها، تعمل لصالح كيان العدو، مهما اختلقت من تبريرات، لم تكن يوماً مقنعة، لا سيما أن راعيتها جميعاً هي الولايات المتحدة الأميركية التي تتزعم العالم الغربي بقوتها وغطرستها، والخاضعة دوماً للرغبات الصهيونية.

في الأسبوع الماضي، أعلن المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه قدّم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإبادة ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالحرب على غزة.

ولم يكد الحالمون بـ”ديمقراطية الغرب” يلتقطون أنفاسهم بأن المؤسسات الدولية ستصحح المسار الذي اعتمدته لصالح الكيان اليهودي، حتى أكمل كريم خان أطروحته ليقول: في المقابل، هناك أسباب “معقولة للاعتقاد” أن كلا من زعيم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة يحيي السنوار، ومحمد دياب إبراهيم المصري المعروف بمحمد الضيف القائد العام لـ”كتائب الشهيد عز الدين القسام”، ورئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية، مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في “إسرائيل”! وشدّد خان في كلمته على أن القانون يجب أن يسري على الجميع، ولا يمكن السماح بهروب أحد من العقاب، حتى لو كان رئيساً.

اللافت، أنه، بعد أيام معدودات فقط على طلبات كريم خان “غير المتوازنة في الشكل والمضمون”، خرج نفسه، عبر مقابلة تلفزيونية، ليقول بـ”عضمة لسانه” أنه تلقى تهديدات من مستويات دولية عالية، لم يشأ تحديدها أو الإفصاح عن الأسماء، تلفت نظره إلى أن الغرب قد أنشأ المحاكم الدولية من أجل أفريقيا وروسيا أحياناً على سبيل المثال، وأنه كان عليه أن يفهم أن توجيه الاتهامات إلى “إسرائيل” التي يحميها الغرب “برموشه” أمر غير ممكن!

وبعد أقل من أسبوع، جاءت قرارات محكمة العدل الدولية لتكمل المشهد. فإلى جانب طلبها من “إسرائيل” وقف عملياتها العسكرية، أو أية أعمال أخرى في رفح، وضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية، دعت المحكمة إلى إطلاق سراح الأسرى فوراً ومن دون شروط!

فهل عشرات آلاف المعتقلين في السجون الاسرائيلية منذ عشرات السنوات، وآلاف أحكام المؤبد بحقهم، توازي احتجاز عشرات المستوطنين في السابع من تشرين الأول الماضي بغية الضغط لإطلاق المعتقلين؟

إنها فعلاً العدالة التي تكيل بمكيالين، والتي توازي دائماً الضحية بالجلاد، خدمة لمن أنشأ تلك المؤسسات الدولية لتخدم مصالحه واستراتيجياته!

error: Content is protected !!