| غاصب المختار |
مرّ لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة، بكثير من الأزمات السياسية الحادّة، نتيجة الخلافات والمصالح الداخلية المتضاربة، التي كان تخطيها بفعل تدخل “الأشقّاء والأصدقاء”، وفرض تسويات وصفقات كان من الطبيعي ألّا تعيش طويلاً نتيجة تبدل الظروف.
لكن البلد لم يمر بمثل هذه الأزمة الكيانية، التي باتت تضرب كل مقومات الدولة وأسس النظام السياسي، معطوفة على أزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة، تساهم في مسارعة انهيار الهيكل، وإعادة تشكيل نسيج المجتمع من طبقات ميسورة ومتوسطة الدخل، إلى طبقات فقيرة أو دون خط الفقر أو “على الحافة”.
ولعلّ اختلاف الأولويات والمصالح بين فرقاء الداخل والخارج، أو تقاطع مصالح البعض منهم مع البعض الآخر، يسهم أكثر في تعميق الشرخ اللبناني، ويُعقّد أكثر، ويؤخّر مقاربات الحلول للأزمة، وهو ما ظهر خلال إجتماع اللجنة الخماسية مؤخراً في الدوحة، عبر التباينات في كيفية مقاربة الحل للشغور الرئاسي، حيث بات الحديث عن سقوط المبادرة الفرنسية الأولى أمراً مُسلّماً به، وبدأ البحث الطويل مجدداً عن مبادرات أخرى، يُفترض بالدول الراعية للحل في لبنان أن تراعي فيها الإستدامة لا الحلول الظرفية، وإعادة تركيز مقومات الدولة والإقتصاد على نحو يفيد المتضررين من تداعيات الأزمة وكوارثها، لا أن يفيد المتسببين بها.
ويبدو أن مواقف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، المتكررة والمحذرة من مخاطر عدم ولوج الإصلاحات الإدارية والمالية والنقدية والإقتصادية، المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وسواه من دول مانحة ومن الخبراء الإقتصاديين اللبنانيين المجرّدين عن الهوى السياسي، لم تلقَ الصدى المطلوب، مع أن الشامي حدد بدقة ماهو المطلوب من الحكومة ومن المجلس النيابي ومن مصرف لبنان المركزي، فتعمّقت الأزمة أكثر، وانقطع التواصل مع صندوق النقد، وانصب الاهتمام على ملء الشغور الرئاسي تارة، وفي حاكمية مصرف لبنان تارة أخرى، وفي التفتيش عن “ترقيعات” لسعر الصرف… لكن كل هذا السعي يذهب هباء منثوراً!
على هذه الحال، بات لبنان أمام أحد خيارين:
إمّا قبول ما يفرضه الخارج عليه من تسويات لا حلول مستدامة، بحيث نعود بعد سنة أو أقل أو أكثر قليلاً إلى المماحكات والتعطيل.
وإمّا رفضها والبقاء في مستنقع الأزمات المتوالدة كالفطر، وصولاً إلى الكارثة التي ستقضي على كل شيء.
وكلا الخيارين أمرّ من الآخر. بينما المطلوب أن يأخذ السياسيون اللبنانيون أمرهم بيدهم، ويحزموا رأيهم بالتوافق الداخلي بما يراعي مصالح البلد والناس. لكن السؤال: أين هم هؤلاء السياسيين؟