القيصر والامبرطور.. وجنبلاط!

/ جورج علم /

عندما يتحدّث وليد جنبلاط، تنصت آذان كثيرة، كونه صاحب رأي، ورؤية.

غرّد غداة القمّة الصينيّة ـ الروسيّة قائلا: “لقد دخلنا في الحرب العالميّة الثالثة، ونحن في بدايتها، وأي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى زوال البشريّة. معروف عن أميركا أنها تريد استعمار العالم، وتسعى إليه بكل الوسائل، وعلى حساب الشعوب”.

وأضاف متسائلا: “يا ترى ماذا جرى بين قيصر روسيا وإمبراطور الصين؟ فهل يريدون تقاسم الباقي على طريقتهم؟”.

ما جرى لخّصه الرئيس الصيني شي جين بينغ بالقول: “شراكة شاملة، وتفاعل استراتيجي، في عالم تتهدّده أفعال التسلّط، والاستبداد، والتنمّر”.

أضاف: “لا يوجد نظام عالمي تكون فيه كلمة الفصل لدولة واحدة”.

والكلام عن “شراكة شاملة، وتفاعل استراتيجي”، يضفي رهبة عند المنشغلين في تعديل الخرائط، وهندسة الجغرافيات، خصوصاً أن العالم اليوم يبدو ـ كما يقول جنبلاط ـ أمام “يالطا جديدة”.

ينظر الى قمّة “القيصر والامبراطور”، على أنها:

  • الأولى التي يقوم بها الرئيس شي جين بينغ إلى موسكو بعدما أسقط سلاح الجو الأميركي، بتاريخ 4 شباط الماضي، المنطاد الصيني، فوق المياه الإقليميّة الأميركيّة.
  • الأولى بعدما أقدمت السوخوي ـ 27، الروسيّة، في 14 آذار الجاري، على إسقاط طائرة التجسّس الأميركيّة المسيّرة فوق البحر الأسود.
  • الأولى التي يقوم بها الرئيس الصيني، خارج البلاد، بعيد إعادة إنتخابه لولاية ثالثة، كرئيس يملك طريق الحرير، وصاحب مبادرة “الحزام والطريق”.
  • الأولى لرئيس دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، يزور روسيا منذ بدء حربها في أوكرانيا. وأول رئيس يلتقي الرئيس الروسي بعد إصدار المحكمة الجنائيّة الدوليّة مذكّرة توقيف بحق بوتين، ما يزيد حتماً من عزلته على الساحة الدوليّة، ويعيق سفره إلى 123 دولة صادقت على نظام روما للمحكمة.
  • الأولى، بعد اتهام واشنطن بكين بتزويد موسكو أسلحة، وتقنيات حديثة، تستخدم في حرب أوكرانيا.

ويبدو أن الطريق إلى “يالطا جديدة” محفوفة بتطلعات استراتيجيّة مقلقة، منها:

1 ـ تنظر الصين إلى التدخل الأميركي في تايوان، نظرتها إلى التدخل الأميركي في أوكرانيا. “إنه الخطر المشترك، الذي يستدعي مواجهة مشتركة”.

2 ـ الانطلاق نحو قيام “نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، مبنيّ على مبادىء عدم الإنحياز، ولا تكون فيه كلمة الفصل لدولة واحدة”.

3 ـ ضمان الطاقة. يورد عملاق الغاز الروسي “غازيوم”، الغاز للصين، منذ كانون الأول 2019، عبر خط “قوة سيبيريا”. وينتظر أن تصل طاقته إلى 38 مليار متر مكعّب سنويّاً بحلول العام 2025. وتمّ التوافق على المباشرة بمدّ خط “قوّة سيبيريا ـ 2”. وإذا ما أضيف هذا الكلام إلى الإتفاق الثنائي الذي رعته الصين مع أكبر دولتين نفطيتين في الشرق الأوسط، السعوديّة وإيران، يصبح الهدف إمتلاك القدرة على التحكّم بالطاقة. ويتوقع الرئيس بوتين أن يتجاوز التبادل التجاري بين البلدين 200 مليار دولار هذا العام.

4 ـ أوكرانيا. يخشى الرئيس الصيني من “زلّة قدم” روسيّة في أوكرانيا، وإن حصلت يخشى من أن تتكررّ معه في تايوان. واشنطن مصمّمة على المواجهة، والأسلحة الغربيّة المتطوّرة بدأت تدخل أرض المعركة، والعزلة الدوليّة تشتد وطأتها على القيصر الروسي، لذلك بادرت بكين إلى طرح مبادرة في 24 شباط الماضي لوقف النار في أوكرانيا، والدخول في مفاوضات تنهي الإقتتال. لكن سرعان ما رفضتها الولايات المتحدة، وأعلن المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي بأنها “غير مقبولة لأنها تمنح الشرعية لبوتين على أراض احتلّها”.

أضاف: “من الواضح أن الصين تدعم روسيا ضمنيّاً، فهي لم تدن الحرب، ولم تطبّق العقوبات، واعتمدت الدعاية الروسيّة”.

  • ماذا عن لبنان؟

كان لبنان جزءا من الملف الإقليمي، عندما استعرض الزعيمان الأوضاع في الشرق الأوسط، وأبعاد وخلفيات الاتفاق الذي رعته بكين ما بين الرياض وطهران، لكن التقارير الدبلوماسيّة الأوليّة، لم تفد عن معلومات مدقّقة حول الملف اللبناني.

بالمقابل، إستكملت الصين ما تريده من معلومات حول اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان و”إسرائيل”، وما يجري في بحر الناقورة. وتتابع بدقة أخبار حقول النفط والغاز في المياه الإقليميّة، وما يجري مع شركات التنقيب، والعروض المتبادلة.

ولا شيء يوحي لغاية الآن عن إحتمال قيام “دفرسوار” صيني جاذب، يواجه عروض شركات الغرب، ويضع حدّاً للنهم الأوروبي ـ الأميركي، لكن المستقبل ينبىء بمفاجآت ومتغيّرات كثيرة، بعد الإتفاق الصيني ـ السعودي ـ الإيراني، واستكمال حلقات التحالف الإستراتيجي ما بين الصين وروسيا وإيران، في مواجهة سياسة القطب الواحد، وإعادة هيكلة قدرات دول المنطقة، وفق ما تقتضيه المصالح المشتركة، والاستثمار بالفراغات التي يخلّفها الأميركي وراءه من خلال اسلوب تعاطيه مع الشعوب، وقضاياها الساخنة. والدليل أنه يوفد إلى لبنان الدبلوماسيّة باربرا ليف، في جولة استطلاعيّة، لتفقد أحوال أحزاب، وتيارات مفكّكة الأوصال، مشرذمة، تكثر من الشعارات السياديّة، ولا قدرة لها على توحيد صفوفها لحسم الإستحقاق الرئاسي.

ويقول الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة: “إن الاستثمار الصيني ما زال متاحاً. وعندما كنّا نتحدث عن الإتجاه شرقاً، كانت بعض القوى السياسيّة تسخر من ذلك، بينما اليوم السعوديّة، ومصر، والإمارات، ودول الخليج تذهب للاتجاه شرقاً”.

ويقول دبلوماسي مخضرم: “أطلب العلم ولو في الصين”. هذا ما كان يقال قديماً. واليوم يقال “أطلب حاجتك من الصين”، إن لها، مع روسيا، في استحقاقات لبنان، خصوصاً الرئاسي منها، ما للآخرين. وبعد قمّة “القيصر ـ الإمبراطور”، لا بدّ من شدّ الأحزمة، وعندما تتحرّك الفيلة تأخذ الكثير في طريقها، وتسحق الكثير تحت أقدامها!…