“الفيدرالية”: الخطأ.. والانتحار!

/ رندلى جبور /

كلما اختلف مكوّنان في بيئتنا اللبنانية، تعلو الاصوات التي تنادي بالفيدرالية، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت ساحة مستباحة لكل أنواع الأفكار، بما فيها السطحية أو الهدّامة.

إن أي خطأ لا يجوز أن يقود إلى خطأ أكبر، بمعنى أن الأزمة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، ويعتبرها البعض خطأ، لا يجب أن تقود إلى فَوْرة أصوات تمدح بالفيدرالية، وهذا خطأ أكبر.

ومن منطلق “تيّاري”، يمكننا إثبات أن الفيدرالية خطأ كالتالي:

أولاً، إن الفيدرالية هي انتحار للمسيحيين الذين كلما تقلّصت بقعة تواجدهم، كلما تقلّص دورهم وحضورهم، وليس العكس.

والرئيس العماد ميشال عون هو صانع فكرة المشرقية التي تعني الامتداد على طول مساحة المشرق وعرضه، وهذا يناقض فكرة الفيدرالية.

ثم إن المسيحيين عاشوا مرّة في فيدرالية المنطقة الشرقية مع سمير جعجع، وحتماً لم تكن الجنّة أو كما يقولون بالفرنسية: Ce n’était pas le paradis.

ثانياً، إن الفيدرالية تناقض أول مبدأ أطلقه الجنرال عون تحت شعار: “لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسّم” في ثمانينات القرن الماضي، رافضاً أي شكل من أشكال الاحتلال، ولكن أيضاً وفي نفس المستوى، أي شكل من أشكال التقسيم والفدرلة، لا بل هو صاحب فكرة لبنان القوي بوحدته، وهذا ما فعله داخل المؤسسة العسكرية.

ثالثاً، إن الفيدرالية تناقض حقيقة وجود “التيار الوطني” على امتداد الأرض اللبنانية من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب مروراً بالجبل وبيروت ووصولاً الى البقاع، وكذلك حقيقة أن المنتسبين إلى “التيار” آتون من كل الطوائف والمذاهب، وهذه ميزته العظيمة.

رابعاً، يمكن فهم الفيدرالية إذا كانت المكونات اللبنانية تنتمي إلى قوميات وإثنيات مختلفة. ولكن الحقيقة هي أنها، على الرغم من تنوعها الطائفي، إبنة الجذور ذاتها واللغة ذاتها والمشتركات في ما بينها كثيرة.

لذلك دعونا ننتقل من الضيّق إلى الأوسع وليس العكس. وعندما نكافح الفساد، ونبني دولتنا المركزية على أسس نظيفة وقوية مترافقة مع تطبيق اللامركزية، لا يعود من داعٍ إلى كل شطحات الترف الفكري المرتبطة بالتقسيم في وطن لا تتجاوز مساحته مساحة مدينة واحدة في محافظة واحدة في أقرب الدول إلينا.