/ جورج علم /
رحّبت دول مجلس التعاون الخليجي بالاتفاق الثنائي السعودي ـ الإيراني، مع الحرص على التمايز. والتمايز هنا، أمر طبيعي نظراً للعلاقة التي تتمتع بها كل دولة مع الإقليم، وأيضاً مع الدول الكبرى وفق مقتضيات المصالح.
وتشعر السعوديّة بهذا التمايز، وتأخذه بعين الإعتبار، وتسعى لعقد قمةّ تضم قادة دول المجلس للتفاهم على خريطة طريق واضحة المعالم تواكب عمليّة التنفيذ. كما تسعى إلى أن يكون له غطاء عربي خلال القمة التي ستستضيفها في أيار المقبل، وأيضاً إلى غطاء دولي من جانب الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وبمعزل عن الإتفاق، وما يدور بفلكه إقليميّا، ودوليّاً، والخطوات العملانيّة التي يفترض أن تأخذ طريقها نحو التنفيذ خلال مهلة الشهرين، قبل إعادة العلاقات الدبلوماسيّة، لا بدّ من التوقف عند التمايز الخليجي، وإنعكاساته على لبنان.
تتجمّع في السلّة الدبلوماسيّة ، حقائق خمس:
أولها، إن الإصلاحات المطلوبة من لبنان تكاد أن تكون واحدة لدى العواصم الخليجيّة. هناك التزام أدبي، وأخلاقي، بما تضمّنته المبادرة الكويتيّة ـ الخليجيّة ـ العربيّة ـ الدولية التي قُدّمت إلى لبنان في كانون الثاني من العام الماضي، وتقع بنودها في صلب أي نقاش خليجي حول القضيّة اللبنانيّة.
الثانيّة، قد تتطابق الإصلاحات التي تنادي بها دول المجلس، مع تلك التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، لكن بعضها لا يرغب في أن يمسك صندوق النقد بمقدّرات لبنان، بل تطمح إلى الحلول مكانه، وحجتها واضحة: “عندما تتحقق الإصلاحات، لا حاجة لصندوق النقد وشروطه، لأن لبنان ليس بدولة مفلسة، بل منهوبة، وسيتحوّل إلى جنّة استثماريّة عندما يعود الإنتظام العام إلى المؤسسات التنفيذيّة، والتشريعيّة، والقضائيّة”. هناك دول ثلاث أعلنت صراحة رغبتها في توفير الدعم، والتمويل، والإستثمار، فور عودة الحياة إلى المؤسسات.
الثالثة، إن كل دولة من دول مجلس التعاون لها نكهتها الخاصة في لبنان، إنْ لجهة العلاقة مع أطراف، أو أحزاب، أو جهات، بمعزل عمّا تمثّل من ثقل وحجم. كما لها إرتباطات، وخصوصيات في العلاقات، وهذا ما يجعل التمايز الخليجي يترجم تمايزاً في العلاقة مع الواقع اللبناني عندما يدور الحديث في المحافل الإقليميّة أو الدوليّة حول وجوب التفاهم على إنقاذ لبنان من التفكك.
الرابعة، يجب التوقف أمام تداعيات الحرب الأوكرانيّة من جهة، وصراع المحاور من جهة أخرى، على الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج، خصوصا ما يتصل بالطاقة، والنفط، وأسواق الاستثمار، والأمن الاقتصادي ـ الاجتماعي…
صحيح أن الإتفاق السعودي ـ الإيراني إيجابي، ويشكّل ـ في حال تطبيقه بكامل بنوده وبشفافيّة ـ نقلة نوعيّة على مستوى العلاقات العربيّة ـ الإيرانيّة، وقضايا الشرق الأوسط وملفاته الساخنة. لكن التمايز الخليجي يجاهر علناً، بأن إيران ليست وحدها في المنطقة. وقبل الصين، و”الدفرسوار” الذي استحدثته باتجاه الدولتين النفطيتين، هناك الولايات المتحدة، وروسيا، والإتحاد الأوروبي، وتركيا، وسوريا، والمحور الروسي ـ الإيراني ـ الصيني في مواجهة المحور الآخر، وهذا ما يجب النظر اليه باهتمام كبير، ومسؤوليّة قصوى تتخطّى العواطف، والحسابات الضيقة، وتأخذ بعين الاعتبار طواحين المصالح الكبرى النهمة، والتي لا تثنيها العواطف، والاعتبارات الإنسانيّة.
الخامسة، ليس لدى دول مجلس التعاون مقاربة واحدة تجاه الأزمة في لبنان. لقد شاركت السعوديّة، وقطر في إجتماع باريس الخماسي، إلى جانب مصر، وكان لكل من الأطراف الثلاثة وجهات نظر. لم يكن هناك من خلاف جدّي ـ كما يقول دبلوماسي خليجي ـ حول خريطة الطريق التي يفترض اعتمادها، لكن لم يكن هناك توافق واضح حول كامل العناوين، والتفاصيل، وآليات التنفيذ.
وبعيد الإعلان عن الإتفاق السعودي ـ الإيراني طفا مساران على السطح:
الأول، تقوده الرياض باحتراف وتكتم وموضوعيّة، مع فرنسا والولايات المتحدة والفاتيكان والإتحاد الأوروبي ومصر وجامعة الدول العربيّة، يقضي بالإعداد الجيّد لزيارة يقوم بها الرئيس نبيه برّي، تلبية لدعوة رسمية، يصار خلالها طرح خطة إنقاذ، حتى إذا ما لمست المملكة تجاوباً، خصوصاً من قبل الثنائي الشيعي، بادرت إلى توسيع هامش التشاور مع مختلف القيادات والفعاليات الأخرى، على أن تتوج هذه الديناميّة بمؤتمر تستضيفه، يصار خلاله التوافق على خريطة طريق إنقاذية، والتفاهم على فريق عمل تنفيذي لها، من رئيس للجمهوريّة، إلى رئيس للحكومة، إلى الطاقم الوزاري…
وكان السفير السعودي السابق، الدكتور علي عوّاض عسيري قد أشار في مقال له في إحدى الصحف السعوديّة البارزة، إلى إستعداد المملكة “لرعاية لقاء تشاوري يضمّ كبار المسؤولين، والرؤساء السابقين، ورؤساء المؤسسات الأمنيّة، ورؤساء الطوائف، ونخب من المرجعيات القانونية، والدستوريّة، لحسم أمر الإجتهادات غير المنزّهة عن الغرض، ويؤخذ بما قد ينتهي إليه التشاور لجهة تعديل في بنود، أو توضيح لها، او حتى التوصية بإصدار مادة أو أكثر لم يلحظها في حينه إتفاق الطائف”.
أما المسار الثاني، فإنه ـ ومن دون الإعلان عن الجهة التي تتبناه ـ يقود إلى ما يشبه “دوحة ثانية”، لكن هذه المرّة برعاية دول لقاء باريس الخماسي، إلى جانب إيران.
ويبدو واضحا، أنه في الخليج اليوم، أكثر من نشاط، ومن ورشة عمل، حول الإعداد لخريطة طريق تجاه لبنان. وقد زاد الإتفاق السعودي ـ الإيراني من وتيرة الحرّاك، وزخّمه. ولا بدّ من الإنتظار، والتروّي لمعرفة وجهة الحقل، والبيدر، ونوعيّة الغلال، ومتى سيصار وضع الفول في المكيول!