كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
مع دخول شركة قطر للطاقة رسمياً شريكاً في ائتلاف الشركات أصحاب الحقوق البترولية في الرقعتين 4 و9 في المياه البحرية اللبنانية كصاحب حقّ بترولي غير مشغّل، ينضمّ الى المشغّلين شركة «توتال إنرجي» الفرنسية و»إيني» الإيطالية، عَبَقت الأجواء اللبنانية برائحة البترول في المياه البحرية اللبنانية، واقتراب مرحلة دخول لبنان في حال اكتشاف الغاز مرحلة جديدة تساهم في تثبيت موقعه على الخارطة البترولية في المنطقة وتعزيز دوره كوجهة استثمارية.
وتتوزّع حصّة الشركاء الثلاثة كما جاء في الإتفاق الذي تمّ التوقيع عليه يوم الأحد الماضي: «توتال انرجيز» 35% و»إيني» 35% و»قطر للطاقة» 30%، وأعرب الائتلاف عن نيّته في تسريع إنجاز كامل التحضيرات وبدء الإستكشاف والحفر، على أن يعلن في نهاية السنة أو بداية العام 2024 عن نتائج أعماله.
فانضمام قطر للاستثمار المباشر في ثروة لبنان الغازية وهي الثالثة عالمياً بعد روسيا وايران في مجال الغاز يعتبر مؤشّراً الى ما تختزنه المياه الإقليمية اللبنانية من النفط والغاز، والى التداعيات الممكنة التي ستعود على لبنان نظراً الى الخبرة التي تمتلكها قطر في حقل الحفر والتنقيب، فضلاً عن الإستثمارات النفطية التي ستدخل الى البلاد في مجال الخدمات النفطية والصناعة الموازية.
وتتراوح حصّة لبنان في حال اكتشاف الغاز في الرقعة 9 بين 54% و 63% بعد حسم الأكلاف التشغيلية والرأسمالية، أما أعمال الإستكشاف والتنقيب فمن المتوقّع أن تبدأ في أيلول بعد إجراء مسح الأثر البيئي.
حصة لبنان تختلف حسب البلوك
ويقول الخبير في اقتصادات النفط والغاز فادي جواد لـ»نداء الوطن» إن «حصة لبنان تختلف حسب البلوك، ويمكن أن تتغيّر في البلوكات الثمانية بناء على العروض القادمة للاستكشاف والتنقيب على أن تتحمّل الكلفة شركات الكونسورتيوم بالكامل ويبدأ لبنان الاستفادة من ثروته الغازية عند التصدير وجني الايرادات».
السيناريوهات المطروحة
وبالنسبة الى السيناريوهات المطروحة اليوم للمرحلة المقبلة، أوضحت خبيرة حوكمة النفط والغاز في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لوري هيتايان لـ»نداء الوطن» أن «الحفر سيبدأ بعد مسح الأثر البيئي، وأن باخرة الدراسات ستصل الى مرفأ بيروت في 6 شباط للقيام بأولى خطوات الحفر والدراسات المطلوبة، وقد تستغرق العملية بين 3 و 4 أشهر، على ان تعود الشركات الى لبنان بعد عام لإعلان النتائج وما اذا كانت إيجابية.
ولفتت الى أن هناك 3 سيناريوهات بعد الحفر:
1 – لا وجود للغاز.
2 – اكتشاف كميات قليلة من الغاز، غير قابلة للتطوير لاستخدامها في الإنتاج.
3 – وجود كميات من الغاز قابلة للإنتاج عندها، يوجد احتمالان: اذا كان الغاز بأكمله متواجد في المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية، تطبق على التطوير والإنتاج كل العقود الموقّعة بين الشركات مع الحكومة اللبنانية.
أما اذا كان الغاز يتعدى المنطقة الإقتصادية الإسرائيلية، فيتمّ إطلاق البنود المتعلقة بهذا الموضوع بترسيم الحدود والتي نصّت على أن «توتال» وأسرائيل يجب ان تتوافقا على خطة مالية للتعويض لاسرائيل، وتحديد النسب الممكن أن تعود لها من الحقل كي تتابع «توتال» عملها التطويري والإنتاجي. وبالتالي هذه الخطوات أو الإستحقاقات سيحين موعدها في كانون الثاني 2024» .
لا علاقة للصندوق السيادي بالأزمة المالية
ولحينه من المفترض أن ينكب مجلس النواب على اخذ إقتراحات قوانين الصندوق السيادي على محمل الجدّ وتفعيل مسأله دراستها، فكل عائدات النفط والغاز من المفترض أن تذهب الى الصندوق السيادي.
وتساءلت هيتايان عن «الروحية التي سيخرج بها الصندوق السيادي في ظلّ عدم بدء السير بخطة نهوض». معربة عن خشيتها من «سيطرة جهة معيّنة على الصندوق السيادي، من هنا تبرز الحاجة الى حسن إدارته وعدم استخدامه لتسديد الديون أو رواتب موظفي الدولة».
من جهته اعتبر جواد بالنسبة الى الصندوق السيادي وإمكانية تسخيره لدعم مالية الدولة أن «لا علاقة له بالازمة الحالية بل هو صندوق للاستثمارات المقبلة التي ستعود بالمنفعة على تنمية لبنان واقتصاده» وقال: «من الخطورة خلط معالجة الوضع القائم بالصندوق السيادي حتى لا ينهار قبل تأسيسه ويصبح مورداً جديداً للهدر».
معتبراً ان «الخطوة القطرية ستشجّع شركات الطاقة العالمية على الدخول في العروض التي ستشهد تدفقاً لها بدءاً من نهاية آذار للتنقيب في البلوكات الـ8 المتبقية نظراً لاهتمام كل دول العالم بعد الحرب الروسية الأوكرانية بالغاز».
التداعيات الإقتصادية
إن اكتشاف الغاز في البلوك رقم 9 من شأنه جعل لبنان بلداً نفطياً، ولذلك تداعيات إقتصادية ايجابية ولو لم تصبح المواد المستخرجة تجارية. في هذا السياق يقول جواد: «فور اكتشاف النفط في اي رقعة من البلوكات العشرة اللبنانية سينعكس ذلك ايجابا:
– على تصنيف لبنان المالي لدى الدوائر الدولية، وستسعى البنوك العالمية والمؤسسات المالية الدولية الى كسب ودّ الادارة اللبنانية للحصول على حصّة في تمويل المشروعات النفطية، إضافة الى حضور عدد لا يستهان به من شركات تقديم الخدمات النفطية العالمية وشركات داعمة لهذا الاقتصاد الناشئ.
– كما سيؤثر ايجاباً على سعر الليرة مقابل الدولار، هذا اذا كان «تحرّك» السعر اقتصادياً وليس سياسياً». مقابل ذلك سأل جواد: «هل الدولة بجميع مكوناتها جاهزة؟»، وأجاب: «بالتأكيد لا ! إذ إن نسبة 90% من التركيبة الحالية لا تعرف شيئاً في عالم النفط والغاز، وبالتالي ما قابلية الموجودين حالياً للتعاطي مع ملف بهذا الحجم؟ وهذا السؤال يجب معالجته عبر استقدام كوادر لبنانية عالمية تعمل في اهم الشركات العالمية لمساعدة لبنان في تنظيم هذا القطاع، والاستفادة منه بأسلوب علمي عملي محاسبي استراتيجي، وعدم تضييع الفرص عبر توكيل كوادر سياسية لاستغلال الثروة وتضييع مدى الاستفادة القصوى من هذه الثروة الوطنية».
معتبراً أن «الكوادر البشرية هي مفتاح النجاح والنهوض بهذا القطاع، لجعله قطاعاً حقيقياً فعلياً منتجاً بالمعايير العالمية وليحرّك عجلة التنمية الاقتصادية في لبنان» .
وأضاف: «اثبتت التجارب العالمية أن الادارة السليمة المحوكمة في هذا القطاع اوصلت بلدانها الى مصافي الدول النفطية المتقدمة، وادارة الفساد والمحاصصة كما يحصل في بعض الدول الافريقية وشمال اميركا، ادخلت البلد وشعوبها بكوارث اقتصادية وديون جلبها هذا القطاع على هذه الدول !.
الحفر سينطلق إذاً من مرفأ بيروت وستطرح وزارة الطاقة دفاتر الشروط لكل الخدمات اللوجيستية للشركات اللبنانية المهتمّة في قطاع الغاز في بداية شباط، وكذلك خدمات طائرات الهيليكوبتر لنقل المعدات والأشخاص من بيروت الى مركز الحفر في الناقورة الذي يبعد نحو 80 كيلومتراً. وتوازياً لا بدّ من تفعيل دراسة إقتراحات قوانين الصندوق السيادي اللبناني!