/فاطمة جمعة/
اقتحم الدولار عتبة الـ54 ألفاً باندفاعة قوية، تؤشر لتسجيله أرقاماً قياسية في الأيام المقبلة، فباتت النكات السوداء التي أحاطت بتحركات 17 تشرين الأول 2019، حقيقة سوداء يعيشها الشعب اللبناني بصمت وقبول، تحت تأثير إبرة “مورفين” يتجرعها من الحكومة بين الحين والآخر.
لقد أثبتت الأزمة الاقتصادية الحالية، ليس فقط عجز الحكومات المتعاقبة، بل غطرسة وجشع الكارتيلات المتحكمة بمختلف القطاعات، والمغطاة بحماية سياسية وقضائية، بدءًا من القطاع الصحي، إلى المحروقات، المصارف، القمح، وصولاً إلى مختلف السلع الأساسية التي تدخل حياة المواطن.
توالى رفع الدعم التدريجي عن السلع، وكان آخر سهامه بالأطفال، فقد أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، قبل أسبوعين، رفع الدعم عن كافة أنواع الحليب، لأنّ الكمّيات المدعومة كانت تكفي لبلدين وتستوردها الدولة اللبنانية لهما، في إشارة لتهريبها خارجاً وعدم وجود خطّة قادرة على ضبط التهريب. هكذا تراوح سعر علبة الحليب بين 400 و700 ألف ليرة على السوق الموازية، ليشرب الأطفال بنصف رواتب والديهم، ومع ذلك، هم مهددون بالحرمان من الحليب في ظل الارتفاع الدراماتيكي للدولار.
نقطة ضعف الاقتصاد اللبناني، هي اعتماده على الاستيراد على حساب دعم الإنتاج المحلي. من الممكن أن تكون “دولرة الاقتصاد” التي نوديَ بها سابقاً هي الحل، لكن المؤكد أن ما نعيشها اليوم هو بمثابة “سجن الاقتصاد” تحت رحمة الدولار، فمع كل قفزة يقفزها، تحلق أسعار المحروقات، التي تشكل العامود الفقري للدورة الاقتصادية. فمن دون المحروقات لا تنتج ربطات الخبز ولا توزع على الأفران، لا تصل الخضار لمحالها، ولا يمارس الطلاب حقهم بالتعليم، ولا الموظفون يكملون آخر ما تبقى لهم لتأمين قوت يومهم، كذلك تعطل المستشفيات، وتنقطع شبكات الاتصالات، وتتوقف مولدات الكهرباء، وبالتالي شلل البلاد بأكملها ودخولها “جهنم” بشهادة رئاسية.
مالياً، لا ترجح المؤشرات على استقرار سعر دولار منصة “صيرفة” على 38 ألف ليرة، نظراً للفارق بين قيمته وسعر صرف الدولار في السوق السوداء، حيث يقارب الـ16 ألف ليرة. وهنا ستكون الكارثة، فبين ساعة وأخرى يترصد اللبنانيون، تعميم مصرف لبنان الجديد، الذي سيحدد قنبلة الأسعار الجديدة، وسط ضبابية لما ستبلغه فواتير الاتصالات والكهرباء، ومختلف القطاعات التي تستند على سعر دولار “صيرفة”.
تعاميم يتذاكى فيها رياض سلامة على الناس، ليثبت مقولته بأن “الشعب سيعتاد على ارتفاع الدولار”، صدق سلامة وخضع الشعب للتخدير، وكأن السلطة على علم مسبق بكل أزمة ستلي حلولها “الترقيعية”. نفذ وزير الصحة خطة نظام تتبع الأدوية، وبالمقابل خفض نسبة الدعم عن أدوية الأمراض المزمنة، كما أقرت الموازنة زيادة رواتب القطاع العام ثلاثة أضعاف قيمتها، فجنّ جنون الدولار لتصبح قيمتها بالحضيض، وأيضاً، أجبر المصرف المركزي المصارف على تنفيذ عمليات “صيرفة” للمواطنين، ومن ثم أوقفها لأجل غير مرغوب، انتظاراً لرفع دولار المنصة.
بين السلطة ومافيات القطاعات وغياب المحاسبة، يضيع المواطن في هذه الحلقة مجهولة المصير، متحملاً وحده فاتورة الأسعار الخيالية، وكلفة الصمت الشعبي.