| نادين نجار |
تملك سوريا موقفاً سياسياً ونظرة إستراتجية للوضع السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط على أساس قناعات ومبادئ بُنيت منذ عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وإستمرت مع إستلام نجله بشار الأسد سُدة الرئاسة، وكان لبنان لفترة 30 عاماً محطة أساسية جسدت التاريخ آنذاك من منظار “سوري”.
خلفية تاريخية
في العام 1973 قررت القوات المصرية والسورية تحرير الأراضي من الاحتلال الإسرائيلي، فكان الهجوم مشتركاً وموحداً، حتى جاءت اللحظة التي أوقف فيها الجيش المصري الهجوم وإحتمى خلف خط الدفاع، مما أدى إلى تلقّي الجبهة السورية كافة الهجمات الإسرائيلية، وبالتالي إحتلال الصهاينة للجولان.
شكل ذلك التاريخ منعطفاً كبيراً في سياسة الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي بات ينظر للأنظمة العربية من حوله نظرة “عدم أمان” و”قلة ثقة”، وقرر حينها تدعيم الجيش السوري بالعتاد والأسلحة، وتشكيل جبهة مؤلفة من سوريا ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وترى دمشق في المسألة الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من القومية العربية والوطنية السورية، مما يُحتم الدفاع عن الفلسطينيين وإطارهم السياسي “منظمة التحرير” وتنظيم تحركاتها بصفتها حركة مقاومة.
في العام 1975، إندلعت الحرب الأهلية في لبنان، إثر توتر الأوضاع بين المسيحيين والمسلمين، وبسبب رفض جزء من الشعب اللبناني للجوء الفلسطيني، الذي بدأ يخرج عن سيطرة الدولة اللبنانية آنذاك.
القوات السورية في لبنان
وفي العام 1976، وبطلب من السلطة اللبنانية، التي كانت آنذاك بيد “المسيحيين”، دخل 30 ألف عسكري من الجيش السوري إلى لبنان، للسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، ومساعدة “الجبهة اللبنانية التي تضمّ الأحزاب المسيحية في بيروت “الشرقية” على “مواجهة” الفلسطينيين الذين اعتبرت الأطراف المسيحية أنهم يحاولون بناء دولة ثانية لهم في لبنان.
وفي نهاية العام 1976، صدر قرار وقف إطلاق النار من “جامعة الدول العربية”، ودخول “قوات الردع” العربية، مما أعطى “شرعية” للوجود السوري في ما بعد على الأراضي اللبنانية.
وفي العام 1977 ، تغير رأي المسيحيين في لبنان الذين اعتبروا أن الوجود السوري في لبنان هو “إحتلال”، واندلعت الإشتباكات لإخراج القوات السورية من المناطق “الشرقية”.
تبدل الموقف السوري
قررت بعدها سوريا، ومع تحول المصالح المشتركة مع المسيحيين إلى مصالح متفرقة، الإنضمام إلى معسكر اليسار في لبنان، حيث كانت تملك هدفين، بحسب ما ذكر العديد من المسؤولين السوريين: الأول يتمثل في إنهاء الحرب اللبنانية والتهدئة، والثاني كان يهدف إلى السيطرة على نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية.
يُذكر أنه في ذلك الوقت، لم يكن هناك إنسجام سياسي أو فكري بين الرئيس السوري حافظ الأسد ورئيس منظمة التحريري الفلسطينية ياسر عرفات، فقررت دمشق فرض نوع من السيطرة على “منظمة التحرير الفلسطينية” لضمان عدم تأثيرها بشكل سلبي على الأمن القومي السوري، الذي تعتبر دمشق أن لبنان والقضية الفلسطينية جزءًا منه.
الصراع السوري – الإسرائيلي
كان الوجود السوري في لبنان، مضراً بالمصالح الإسرائيلية، ومن خلفها المصالح الأميركية، التي بقيت في حالة سعي دائم لوضع حد للتدخل السوري في كافة المفاصل في الحياة اللبنانية.
ففي العام 1978 وأثناء الإجتياح الصهيوني للبنان، حصلت مواجهة عسكرية عنيفة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وبين القوات السورية.
وفي العام 1982، وبعد إحتلال العدو الإسرائيلي لجنوب لبنان، وإجتياح العاصمة بيروت، إستمرت الإعتداءات الصهيونية على لبنان وعلى سوريا، وإستمرت المحاولات السورية لصد الهجوم الصهيوني.
إستطاع العدو الإسرائيلي تدمير السلاح الجوي السوري (90 طائرة)، من دون تدمير أي طائرة “إسرائيلية”، ويعود السبب في ذلك إلى التطور “الإسرائيلي” الكبير في مجال الحرب الالكترونية وذلك باستخدامها لصاروخ (إيه جي إم-45 شرايك) المضاد للرادارات والذي عطل منظومة الرادارات السورية بالكامل.
نهاية الحرب وبقاء الوجود السوري
في العام 1990 أعلن رئيس الحكومة العسكرية وقائد الجيش اللبناني آنذاك العماد ميشال عون “حرب التحرير”على سوريا، مطالبًا بانسحابها من لبنان.
بعد ذلك تطوّرت خلافات عون مع سمير جعجع إلى اشتباكات مسلّحة بين الجيش اللبناني و”القوات اللبنانية” عرفت بـِ”حرب الإلغاء”، على الرغم من تحالفهما في البداية.
وفي 13 تشرين الأول 1990، حصل اتفاق سوري ـ أميركي عُرف بـ”اتفاق مورفي ـ الأسد” (مساعد وزير الخارجية الأميركي ريتشارد مورفي والرئيس حافظ الأسد)، فشنّت القوات السورية عملية حاسمة، ومعها وحدات من الجيش اللبناني بقيادة العماد آميل لحود آنذاك)، اقتحمت فيها معاقل الرئيس عون في بيروت الشرقية والقصر الجمهوري، مرغمةً إياه على الخروج من القصر الجمهوري، فذهب إلى فرنسا، وانتهت بذلك الحرب الأهلية، تزامناً مع الجهود الدولية والعربية، وما عُرف بـ”إتفاق الطائف” الذي أُقر عام 1989.
إستمر الوجود السوري في لبنان، متحكماً بكافة تفاصيل الحياة السياسية، فكانت دمشق المحطة الرئيسية لأي قرار وإستحقاق متعلق بالإنتخابات، أو بالقوانين، أو إنتخابات رئاسة الجمهورية، مما خلق إنقساماً في آراء اللبنانيين حول شرعية هذا الوجود.
وتزامنت الفترة مع بروز رئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري الذي عُرف عنه علاقاته الدولية والعربية القوية، في الساحة السياسية اللبنانية، ثم تسلم الرئيس آميل لحود رئاسة الجمهورية اللبنانية، فكانت تلك الفترة عبارة عن محاولات مستمرة من قبل قسم كبير من اللبنانيين لانهاء “الوصاية” السورية على لبنان، خصوصاً بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد وتولي نجله بشار الأسد رئاسة سوريا في العام 2000.
بدأ العمل في تلك الفترة مع الدول الغربية على صياغة القرار 1559، الذي يهدف إلى نزع سلاح كافة الأطراف اللبنانية، بمن فيها سلاح “حزب الله”، وخروج القوات السورية من لبنان، والسيطرة على المخيمات الفلسطينية وعلى “النفوذ” الفلسطيني.
ضربة قلبت كل الموازين
في العام 2005 حصل الحدث الذي وضع مستقبل لبنان في مهب الريح. كان لإغتيال الرئيس رفيق الحريري وقع كبير على الساحة السياسية اللبنانية والعربية والدولية، فحصل الإنقسام الحاد وتحول لبنان إلى معسكرين متواجهين: الأول متمثل بـ”قوى 14 آذار” التي طالبت بخروج الجيش السوري من لبنان في مظاهرة شارك فيها الآلاف في ساحة الشهداء وسط بيروت. والثاني “قوى 8 آذار” التي نظّمت بمظاهرة “شكراً سوريا”، معتبرةً أن الوجود السوري هو حماية لقومية وعربية لبنان كدولة، وتوافقاً في المصالح لمواجهة العدو الإسرائيلي.
وكان سبق التظاهرتين في 5 آذار من العام 2005، أن أعلن الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب مفاجئ، قرار سحب كافة القوات السورية من الأراضي اللبنانية إلى البقاع أولاً وسوريا ثانياً، مؤكداً حرص بلاده على السلم الأهلي اللبناني وعدم رغبته في تفلت الأوضاع.
وفي 26 نيسان من العام نفسه، إنسحب آخر جندي سوري من لبنان.
* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها