انها حلبة ملاكمة… من يقضي على الآخر بالضربة القاضية؟

/غاصب المختار/

أدخلت القوى السياسية، الرسمية والحزبية مجتمعة، “بالتكافل والتضامن”، المباشر وغير المباشر، البلاد والعباد في معادلات كارثية، بتعاطيها الملتوي مع كل الملفات السياسية والاجرائية والاقتصادية والمعيشية والخدماتية. تحولت الدولة، بتركيبتها الهجينة تحت وطأة الازمات، إلى “جابٍ” كل همّه تحصيل المزيد من الأموال من جيوب المواطنين، لتتمكن القوى الحاكمة من الاستمرار في لعبة تضييع الوقت والفرص، تحت عناوين فارغة، ولو كانت برّاقة تستحوذ عقول وتدغدغ عواطف بعض الجمهور السائر وراءها الى النحر برضاه.

هكذا تحول الخلاف حول عقد جلسات لمجلس الوزراء وتحديد جدول اعمالها وآلية اصدار المراسيم، إلى “ماتش ملاكمة” يتحين كل ملاكم الفرصة لتوجيه الضربة القاضية إلى خصمه.

وكذلك الحال بالنسبة لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وجلسات اللجان النيابية التي تدرس العديد من اقتراحات ومشاريع القوانين المهمة منذ سنوات ولم تصل بها إلى نتيجة نهائية، وأيضا بالنسبة لتوفير الخدمات الضرورية للمواطن من طبابة واستشفاء وتعليم وسكن، بحيث أدت هذه المقاربات والمعادلات إلى دخول البلاد في حال من الفوضى غير المسبوقة، وصولاً إلى الانهيار الشامل لكل القطاعات والمؤسسات الرسمية والخاصة.

وتحولت لعبة الدولار الاسود إلى عامل ضغط سياسي على الواقع القائم، من ضمن جولات الملاكمة القائمة.

يجري الحديث عن مخارج لعقد جلسة مجلس الوزراء، وعن توافقات حول رئيس الجمهورية، وعن حلول، ستكون على الأغلب ترقيعية، للأزمات المتوالدة كالفطر السام، وكأن لعبة “تركيب الطرابيش” باتت تستهوي المسؤولين عن معالجة انهيار الدولة والليرة والركود الاقتصادي، وتراجع الانتاج الزراعي والصناعي، فيبقى الوضع على ما هو عليه، بل تحصل أحياناً ارتدادات سلبية لكل إجراء يُتخذ، تماماً كما حدث مع تعاميم مصرف لبنان المركزي وحركاته البهلوانية في سوق القطع، ما أدى إلى زيادة التضخم نتيجة طبع مليارات الليرات ورميها في السوق.

هذه المعادلات والمقاربات الكارثية للوضع القائم، هي نتيجة حتمية بلا شك للإنقسام السياسي الحاد القائم، وهي ستستمر بفعل العجز عن وضع رؤية واضحة غير ملتبسة للخروج من الأزمة. يُضاف إليها “البلوك” الدولي الصلب على لبنان بما يمنع أي حل أو أي دعم فعلي، فكما الداخل منقسم، الخارج منقسم كذلك حول لبنان.

نتيجة هذا الواقع، بات إقصاء الخصوم، أو الحد من تأثيرهم، أو إضعاف وضعهم السياسي والشعبي، الشغل الشاغل للقوى السياسية المتناحرة، ولكنها لعبة توازنات دقيقة بحيث أنأحداً لا يستطيع أن يلغي الآخر في لبنان، والنتيجة أن الدم الذي سيُسال على حلبة الملاكمة هذه، سيكون دم المواطن الذي يتفرج على هذه اللعبة المميتة وهو يعلم أنه سيكون ضحيتها.