الأنماط التعليميّة السلوكيّة في دراسة مفصلة

الديار

//ريان الينطاني//

تطرق الدكتور ميلاد السبعلي في حديث مع “الديار”، إلى دراسة أجراها، تتناول الأنماط السلوكية والتعليمية، نشاتها، سلبياتها وإيجابياتها. ويخلص إلى أن الهدف من ورائها، هو كيفية بناء جيل جديد بمهارات وقدرات وكفايات تمكنه من خلال التعلم والتجربة، التمكّن من إيجابيات الانماط المتعددة، مما يخلق شخصية غنية ومتكاملة، ذات قدرات عالية للتعامل مع التحديات والظروف والمشكلات الحياتية والمهنية، وقدرة على التطور في عصر يتسم بالسرعة على كل الأصعدة.

وتتضمن الدراسة تسعة انماط تعلمية سلوكية، وهي كما شرحها الدكتور السبعلي وبيّن خصائصها على الشكل التالي:

1- نمط التجريب: شخص يستطيع بناء علاقات مع الآخرين قائمة على الثقة، والتعلّم باستمرار وحلّ المشكلات، والتواصل والتعبير عن الرأي والمشاعر. لا يهاب الفعل والعمل، ويستطيع الموازنة بين الفعل والتفكير العملي. يركز على الحاضر، ويستخدم الحدس أحياناً كثيرة في حلّ المشكلات، وهو قائد جيّد ومتعاون.

2- نمط التخيّل: شخص يفضّل مراقبة الظروف مليّاً، بدلاً من التصرف والمبادرة. ويفضل أن يستعرض مجموعة متنوعة من الأفكار والخيارات والحلول، مع اهتمام أقل لاتخاذ القرار بشكل عام، ويخاف خاصة من التسرّع. يقدّر الحداثة والتنوع ويتعامل مع الفرص الجديدة بشغف، ويستهويه العصف الذهني مع الآخرين لمعالجة أي موضوع، ولا يحب المسارعة الى الاستنتاجات. معظم أعماله تبقى غير منتهية، بسبب بحثه الدائم عن حلول أفضل. وغالباً ما يتعامل مع زملائه برعاية وتعاطف، ويطلب رأيهم بشكل دائم.

3- نمط التعمّق في البحث: شخص يفضل البحث والتفكير والاستماع بعقل منفتح، بينما هو متردد في التطبيق. يستطيع جمع المعلومات من مصادر متنوعة وربطها ببعضها، ويقدّر وجهات النظر المختلفة. يمكنه تحديد المشكلات الأساسية ومسبباتها وظروفها، وينظر اليها من زوايا متعددة. يحترم المشاعر والمفاهيم، ويسمح للآخرين بأن يكونوا لاعبين رئيسيين. لا يمكنه العمل تحت الضغط والوقت القصير. وينشد الكمال في كل ما يقوم به. وغالباً أنه لا يستطيع أن يترجم أفكاره بشكل واضح ومبسط.

4- نمط التحليل: شخص يدقق في التفاصيل، ويحلل كل شيء بشكل منهجي ودقيق، ويتدخل في تفاصيل الإدارة. تستهويه صياغة النظريات لتفسير ما يحصل، ومحاولة رؤية الصورة الكاملة للمسائل، والتخطيط المسبق لتفادي الأخطاء. ويفضّل العمل بمفرده، ولا يهتم بمشاعر الآخرين وانفعالاتهم وأعمالهم، ويجد صعوبة في بناء الثقة بهم.

5- نمط التفكير: شخص يقدّر المنطق والتفكير المجرد، ويجيد النقاش بمنطق متماسك، ويدرس فائدة وكلفة كل حلّ، ويحدّد نقاط الضعف ومكامن عدم الوضوح فيه. ويستطيع أن يعمل بشكل مستقل دون أية مساعدة. تستهويه الأرقام والبيانات الكمية، ويفضّل تقييم الأفكار من زوايا مختلفة، ويُتقن التفكير النقدي والأحكام المستقلّة وصياغة الاستنتاجات.

6- نمط اتخاذ القرار: شخص يستخدم منطقه لإيجاد حلول عملية رئيسية حاسمة، واتخاذ القرارات وتخطي العقبات. يحدد أهدافه بدقة، وبعمل لها. ويركز على تحديد وتوزيع المهام. وهو شخص فعّال، وواقعي، ومسؤول، ومنفتح. يعمل على تطوير الذات، ويكره العصف الذهني وعدم اليقين والتردّد، وإضاعة الوقت بالمثاليات. ويتقن الانتقال بسرعة من التفكير إلى التطبيق، والتعبير الواضح والقوي عن وجهة نظره حتى في الأمور المثيرة للجدل.

7- نمط التطبيق: شخص يتقن تحديد المهام والأولويات، ويعمل بسرعة ومنهجية في المجالات التقنية، بحيث يستطيع أن يستعرض أي موضوع، ويحدد الأهداف وينفّذ ويحققها، وينسّق مع الآخرين بتركيز وتصميم عالي. يضع الخطط وقوائم توزيع المهام وتحديد المواعيد النهائية للتنفيذ، ويستطيع التعامل مع ندرة الموارد. يتقبل عواقب أعماله، ويتواصل مع الناس من حوله، ويلهمهم ويطلب منهم تنفيذ مهام محددة.

8- نمط المبادرة: شخص يتقن البحث عن فرص ومبادرات جديدة ومثيرة، بأسرع وقت ممكن. قليل الاهتمام بالتحليل ويعمل على تحقيق الأهداف. سريع في اتخاذ القرار، ويتأقلم بمرونة مع التغيير. يمتلك عقلية منفتحة وقدرة عالية للتأثير على الآخرين وتحفيزهم. يتعامل مع الفشل بسهولة، ويحوله الى فرصة للتعلّم والنّهوض والمحاولة مجدداً. إيجابي دائماً ويسعى الى التقدم المتواصل.

9- النمط المتوازن: ينتج أشخاصاً غير متطرفين في واحد أو أكثر من الأنماط المشار اليها أعلاه، ولا يخافون الخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم، وفهم واختبار أنماط أخرى تعزز نقاط ضعفهم وتسهم في المزيد من إغناء شخصيتهم. بحيث يكون الشخص ذات النمط المتوازن، ملمّاً بخصائص الأنماط المتعددة، خلّاقاً ومبتكراً. يدرك الإيجابيات والسلبيات، ويستطيع الموازنة بين عمق دراسة الحالة وسرعة اتخاذ القرار. لا يفوّت أي شيء ويشارك في كل شيء. يعمل بشكل جماعي لحل المشاكل، يأخذ في الاعتبار وجهات النظر المتعددة، ويلهم المحيطين به. يستطيع التأقلم بشكل سريع مع المتغيرات وتبديل الأولويات. يستطيع التعامل مع الحالات المبهمة التي تفتقر للبيانات الكاملة بشكل ابداعي ومبتكر. يستطيع تجنّب تضييع الوقت والجهد في مسائل ليست مهمة.

بعد استعراض هذه الأنماط من التعلّم نحو السلوكيات، والإيجابيات والسلبيات لكل منها، يبقى السؤال هو: كيف نبني جيلاً جديداً بشخصية غنية متوازنة، تكتسب الإيجابيات من أكثر من نمط؟ حتى لا ننتج منظرين عاجزين عن الفعل، أو مبادرين بشكل اعتباطي دون تفكير وتحليل كافٍ، أو خبراء في التطبيق أو التجريب أو القرار السريع، دون المهارات الكافية من البحث والتخيّل وسعة الاطلاع والتحليل والتفكير.

ويخلص السبعلي إلى الإستنتاج بأنه بناء على ما تقدم، بإمكان” أي شخص، من أية فئة عمرية، أن يحدد النمط الأقرب له ومنطقة الراحة الخاصة به، ويفهم نقاط القوة والضعف فيه، ويعمل على التخلص تدريجياً من نقاط الضعف من خلال الفهم والتمرّس بالخصائص والمهارات التي تقدمها الأنماط الأخرى”. ويضيف، “يمكن تصميم منظوماتنا التربوية على أساس وعي هذه الأنماط وخصائصها ومهاراتها والسلوكيات التي تنتجها، لكي نخطط لأي جيل جديد نريد. ولا بد من تحليل الواقع الحالي للمؤسسات والمنظومات التربوية، سواء على مستوى ثقافة وأسلوب كل مؤسسة، أو على مستوى وطني، وعلى مستوى أساليب التربية غير النظامية، التي نوفرها في البيت والمؤسسات الاجتماعية، بكل ما تحمله من موروثات من العصور السابقة، من أجل تحديد نقاط القوة والضعف، وترميم العيوب والثغرات في ثقافتنا التربوية، التي تظهر في اجيالنا الجديدة، من أجل تهيئة جيل جديد، يمتلك الكفايات والمهارات المهنية والتخصصية والأساسية والحياتية المطلوبة في هذا العصر، كي يستطيع التميّز في مجال تخصصه، والمشاركة بتطوير العلوم والتطبيقات، والمساهمة في النهوض بمجتمعه وبلاده لدخول عصر المعرفة، بما يتطلبه من ابداع وابتكار وعلم وإنتاج معرفي جديد وأصلي”.