موازنة “الصندوق” أرقام وهمية وتبرئة حكومية.. والرواتب “شيك بلا رصيد”؟

/محمد حمية/

لم تأتِ موازنة العام 2022 التي أقرها المجلس النيابي اليوم بجديد، فقد غاص النواب بأرقامها الوهمية والغير واقعية والتي لا تستند الى وقائع وتحديداً لجهة الإيرادات المتوقعة، في ظل ارباك الحكومة، رئيساً ووزير مالية، بالرد على أسئلة النواب بشأن مصادر تمويل الموازنة ورواتبها المضاعفة، بين مصادر تمويل داخلية بقيمة مليارات الدولارات كشف عنها وزير الأشغال علي حمية من الموانئ والأملاك البحرية والرسوم والضرائب، وبين صندوق النقد الدولي كما أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ما دفع برئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان والنائب علي حسن خليل للتدخل وتولي مهمة الشرح عن وزير المال وعن الحكومة جمعاء، ما بدا أن لجنة المال على اطلاع أكثر من الحكومة بالموازنة والشأن المالي.

لكن بعيداً عن أرقام الموازنة التي لن تكون واقعية بطبيعة الحال، فإن ما يستوجب التوقف عنده، هو أن الموازنة، بأرقامها ومصادر تمويلها الموعودة وبنودها المقرة كبند مضاعفة الرواتب، هي لشهرين فقط، ما يعني أنها موازنة شهرين لا سنة كاملة. فماذا لو تعثّر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ولم تستطع الأجهزة المالية المختصة جباية الرسوم التي تحدث عنها وزير الأشغال؟ وماذا لو فشلت الحكومة بإقرار موازنة الـ2023 قبل نهاية العام الحالي؟ هل سيتم الصرف على القاعدة الاثني عشرية؟ وحينها من أين ستؤمن مصادر التمويل؟

إذاً، ما دور هذه الموازنة وجدواها الاقتصادية؟

هل تبرئة ذمة الحكومة خلال العام الماضي وتشريع ما صرف على قاعدة الاثني عشرية؟ وكيف يمكن إقرار موازنة بلا قطع حساب عن السنوات الماضية الذي يبرز حقيقة الجباية والانفاق عن العام الماضي والأعوام التي سبقت؟

اللافت هو إقرار بند مضاعفة الرواتب ثلاثة أضعاف، من دون دراسة “اكتوارية” تبين أثر رفع الرواتب والأجور على الواقع الاقتصادي والمالي وعلى العملة الوطنية، لا سيما وأن كلفة الرواتب حالياً 9 تريليون ليرة (9 آلاف مليار) عندما كان سعر صرف الدولار 1500، وإذا أضيفت المساعدة الاجتماعية بقيمة راتب سترفع الكلفة إلى أكثر من 18 تريليون ليرة (18 ألف مليار)، وترتفع الكلفة بعد إقرار رفع الرواتب ثلاثة أضعاف إلى أكثر من 27 تريليون ليرة (27 ألف مليار)، ما سيفرض على مصرف لبنان، بطلب من الحكومة، طباعة المزيد من العملة اللبنانية لتغطية التمويل، وهو ما سيرفع الكتلة النقدية بالليرة، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدولار إلى معدلات قياسية لن تكون أقل من 40 ألف ليرة، وبالتالي ستتآكل الإضافات على الرواتب قبل أن تدخل حيز التنفيذ، هذا إن نشر القانون في الجريدة الرسمية قبل نهاية الشهر الجاري، ما يعني أن مضاعفة الرواتب “شيك بلا رصيد”.

ويكشف مطلعون بأن مصرف لبنان طبع 30 تريليون ليرة (30 ألف مليار) منذ مطلع الأزمة في 2019 حتى الآن، ووكان حجم الكتلة النقدية في السوق بحدود 9 تريليون ليرة (9 آلاف) على سعر 1500 ليرة أو ما يعرف بـ”البنك نوت”، لكن خبراء اقتصاديين يوضحون أن لا رقم محدد وشفاف لطباعة الليرة، كما لم يقدم حاكم مصرف لبنان أي رقم دقيق، وتتعدد توقعات الأرقام بين 16 ألف مليار ليرة و24 ألف مليار. ويرجح الخبراء رقم الـ 24 ألف مليار استناداً الى حجم الكتلة النقدية التي تستخدم في السوق والملحوظة في الموازنة.

ويشير المطلعون الى أن رياض سلامة طبع كميات هائلة من الليرة قبل اندلاع أحداث 17 تشرين 2019، وقد جرى إحضارها إلى مطار بيروت وتم تصويرها آنذاك. فهل كانت خطوة تمهيدية للانهيار الذي حصل بالعملة الوطنية والمؤامرة الاقتصادية والمالية في تشرين 2019؟!

إذا كانت الموازنة عبارة عن:

* خدمة الدين، وقد جُمدت بقرار من حكومة الرئيس حسان دياب.

* الكلفة الاستثمارية (تمويل مشاريع) وقد لحظت انخفاضاً كبيراً في الأعوام الثلاثة الماضية.

* الرواتب والأجور.

فإذا كان حجم القطاع الخاص 500 ألف موظف، ومن ضمنهم البلديات فمن أين أتت هذه الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية؟ وهل سيكون مدخول الدولة 40 ألف مليار ليرة لكي تغطي كلفة الموازنة، بما فيها كلفة الرواتب؟

أما بيت القصيد فيكمن بحجم العجز في الموازنة وكيفية احتسابه؟ وعلى أي سعر صرف وهل تم احتساب الدين العام؟ مشروع الموازنة لحظ قيمة العجز بـ 10 آلاف و800 مليار ليرة وانخفاض من 40 في المئة الى 25 وفق حسابات بعض النواب.

لا شك أن الأرقام غير واقعية، لا أرقام الإيرادات ولا النفقات ولا العجز ولا كلفة مضاعفة رواتب الموظفين، ما يحوّل الموازنة الى أرقام من دون تطبيق وموازنة شهرين لا موازنة سنة، وموازنة ارتجالية و”غب طلب” صندوق النقد الدولي. فهل تقنع الصندوق وتلبي حاجة الاقتصاد وتروي ظمأ الموظفين؟