“الكابيتال كونترول”.. حماية “الودائع” أم تصفيتها؟

/سارة طهماز/

يعتمد قانون “الكابيتال كونترول” في دول عدة عند حدوث خضات كبيرة يتم على أثرها إخراج السيولة الصعبة من البلد، ويُطبّق القانون إلى حين اعتماد هيكلية جديدة وعودة الدورة الاقتصادية الى طبيعتها واستعادة الثقة الخارجية والداخلية بالنظام المالي والمصرفي، ففي فرنسا مثلاً استخدم هذا القانون أواخر الثمانينات وما زال معتمداً حتّى اليوم ضمن قيود معينة، وقد طبّق أيضاً في روسيا في بداية الحرب الروسية الأوكرانية للحفاظ على العملات الصعبة، وكان يجب أن يطبّق في لبنان في بداية الأزمة في العام 2019، ولم يعد اليوم خياراً بل ضرورياً، كقرارٍ اقتصادي وليس سياسي، ما يتطلب من القوى السياسية أن تتفق لإقراره وفقاً للمصلحة الاقتصادية التي تفرضها الأزمة وابعادها عن المصالح السياسية.

الهدف من قانون “الكابيتال كونترول”، هو الحفاظ على الأموال الموجودة في البلد لاسيما الجديدة منها في السوق المحلي، عبر لجنة تدرس كيفية دفع الأموال بعيداً عن التجاذبات السياسية.

لكن إقرار هذا القانون بصيغته وبنوده الحاليين هو سحق لما تبقى من حقوق المودعين لأنه لا يتضمن أي مادة أو نص يضمن هذه الحقوق ولا يوجد فيه أي أطر تحدد الجدول الزمني لكيفية استرداد الاموال، ويجب أن يتضمن أيضاً تثبيت وضمان حقوق الناس وكيفية تنظيم العلاقة بشكل واضح من دون استنسابية بين المصارف والمودعين، وتحديد كل الودائع وليس فقط الودائع الجديدة. علماً أن هذا القانون أحد شروط صندوق النقد الدولي لكنه لم يوافق على الصيغة التي اقترحتها الحكومة، فضلاً عن أن القانون فقد معناه وجدواه ومراميه بعدم تم تهريب مليارات الدولارات الى الخارج خلال السنوات الماضية، وكان الأجدى اقراره في المرحلة الاولى من الأزمة في تشرين 2019، مع الاشارة الى أن عملية تهريب الأموال الى الخارج لنافذين في الدولة لازالت سارية حتى الآن.. فعلى من سيطبق “الكابيتال كونترول” إذاً وعلى اي نوع من الأموال؟. هل سيطبق على صغار المودعين فقط؟.

في خضم البحث في آثار قانون “الكابيتال كونترول”، وفي حديث لموقع “الجريدة”، يفنّد الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي 9 نقاط تؤثر على المودعين في حال إقرار هذا القانون:

*إبراء ذمة المصارف والدولة والبنك المركزي من مسؤولية التفريط بأموال المودعين رغم دور هذه الفئات الثلاث في الأزمة المصرفية وتبخر الودائع.

*إسقاط مفاعيل الدعاوى القضائية المرفوعة قبل إقراره في الداخل والخارج ويمنع إقامة دعاوى جديدة من قبل المودعين.

*يشرّع عملية تهريب الأموال التي حصلت حتى تاريخ إقراره.

*يضع المودعين تحت رحمة لجنة غير دستورية والتي لا تخضع لأي نوع من الرقابة.

*يمنح اللجنة الحق في تحديد ضرورة إجراء التحاويل من عدمها وكذلك قيمة المدفوعات ونوعها مما قد يخلق نوع من الاستنسابية.

*يُساهم في ضرب الاستثمار الخارجي بشكل مباشر ويدفع اللبنانيين المغتربين والاجانب إلى عدم الاستثمار في بلد لا يضمن لهم حرية التحويل النقدي.

*يحصر إمكانية فتح حسابات جديدة إلا بحالات جداً محدودة، مما سيساهم في حصول شلل في الاقتصاد ويقضي على التحفيز الاقتصادي.

*يكرّس التمييز بين الأموال القديمة والأموال الجديدة مما يحرم أصحاب الودائع من إمكانية ضمان حقوقهم في المستقبل.

*لم يأتِ على ذكر مودع الليرة الخاسر الأكبر والذي فقد أكثر من 90% من قيمة وديعته الشرائية.

وفي موازاة ذلك، يؤكد جباعي على ضرورة إقرار القانون بأقصى سرعة ممكنة بشرط أن يتضمن قبل إقراره خطة تعافي مالي واقتصادي من قبل الحكومة اللبنانية، تحدد فيها كيفية تحملها لمسؤولية إعادة أموال المودعين، ومن بعدها يتم الحديث عن “كابيتال كونترول” يتماشى مع خطة التعافي الاقتصادي بأفكارها وطريقتها لإدارة الأزمة، وإلا سيفقد هذا القانون معناه وجدواه وأهدافه ويبقى البلد أسير الفوضى المصرفية والنقدية ويظل مصير الودائع المصرفية مجهولاً حتى اشعار آخر.