الصدمات النفسية.. واقع اللبنانيين بعد الحرب!

| ناديا الحلاق |

قلق، أرق، اكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، هكذا أصبح حال آلاف من اللبنانيين بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي على لبنان.

هؤلاء ما زالوا حتى الساعة يشعرون بالخوف وتنتابهم حالات هلع، جراء ما عاشوه خلال التصعيد على لبنان، ما ألقى بثقله على صحتهم النفسية.

وقالت فاطمة من سكان الضاحية الجنوبية لموقع “الجريدة”: “ما زلت أسمع أصوات الطائرات الحربية والصواريخ وخرق جدار الصوت، كابوس الحرب ما زال يرافقني، كل يوم أتذكر هذه اللحظات، أتأثر كثيراً وأجهش بالبكاء”.

وأضافت “منذ أن بدء الاسرائيليون بإرسال انذارات إلى المناطق، أصبحت ساعات نومي متقطعة، أستيقظ فجأة من الفراش، افتح هاتفي برعب، ربما تكون منطقتي هي التالية، مشيرة إلى أنها أصبحت تلجأ إلى أدوية المهدئات كي تستطيع النوم”.

أما رانيا فتخضع لجلستين من العالج النفسي خلال الشهر كي تتمكن من تخطي أيام الحرب، واستكمال حايتها بشكل طبيعي، علماً أن الطبيبة النفسية نصحتها بتكثيف الجلسات حتى تتمكن من التعافي بشكل أسرع، إلا أن أوضاعها الاقتصادية وتكاليف الجلسات تتفوق على وضعها المادي وتحول دون تمكنها من ذلك.

ورانيا تعيش أيام صعبة، تخاف الاقتراب من المناطق المستهدفة ومحيطها، لا تستطيع أن تمر من أمام مبنى مدمر وكل ما تفكر فيه أنها قد تخرج من منزلها وتقوم الحرب مجدداً، أو أن تحصل عملية اغتيال ما وتكون متواجدة في المكان المستهدف.

ما تشعر به رانيا أمر طبيعي، فهي التي خسرت عدد من أقاربها خلال قصف اسرائيل لمنطقة حارة حريك، فمشاهد الدم والموت تتغلب على يومياتها.

تتراكم أوجاع اللبنانيين التي تتمثل بالأضرار النفسية التي يعيشونها من جراء صدمة الحرب، وهي استجابة عاطفية ظهرت عليهم من خلال أو بعد التعرّض لهذه الأحداث المحزنة التي فاقت قدرة تحملهم، ما زاد من حالات الخوف والارتباك لديهم حتى أصبحوا يفقدون السيطرة على مشاعرهم وردات فعلهم، ويعيشون حالة من الخوف الشديد واليأس والقلق والاكتئاب.

وعلى الرغم من أن الصحة النفسية ثقافة غير رائجة في المجتمع اللبناني، إلا أن عدداً كبيراً من اللبنانيين باتوا يلجأون إلى المهدئات وأدوية الأعصاب والعلاجات النفسية، لتخطي الفترة التي عاشوها خلال الحرب.

وبحسب بعض الصيادلة فإن 80% من الشعب اللبناني تقريباً باتوا يتناولون المهدئات وأدوية الأعصاب، وقد زادت هذه النسبة خلال فترة الحرب، وهو ما يمكن تأكيده من خلال زيادة نسبة المبيعات والطلب على هذه الأدوية حتى وأن بعض الأصناف أصبحت مفقودة في الصيدليات.

أما بالنسبة للعلاجات النفسية وبحسب الاخصائيين النفسيين، فزادت نسبة تلقي جلسات العلاج النفسي في لبنان بعد الحرب حتى وصلت إلى 50% تقريباً.

وقال أحد المعالجين النفسيين لموقع “الجريدة” إن “عدد اللبنانيين الذين يلجأون الى العلاج النفسي، أو يريدون الحصول على الاستشارة الطبية لمعرفة إن كان ما يحصل لدهم من أعراض أمر طبيعي أو لا قد زاد بشكل ملحوظ”.

وأضاف: “لدينا مرضى من كل الأعمار، ومختلف الفئات العمرية من الممكن أن تصاب بالصدمة النفسيّة، إلا أن الاعراض تختلف، فهناك من لديه القدرة على استيعاب الأحداث الصادمة والتعامل معه، فيما آخرون يصابون باضطرابات نفسية مزمنة، وهذا الأمر قد يكون مرتبطاً بإرث نفسي ينتقل من جيل إلى آخر”.

وأوضح المعالج أن “صدمة الحرب لا تقتصر على الصحة النفسية للفرد، بل تطال أيضاً الصحة الجسديّة، فيشعر المريض بالتعب والارهاق والخوف والنسيان والتشنجات وفقدان القدرة على التركيز والصداع واضطراب الجهاز الهضمي، وصولاً إلى الأرق والكوابيس وغيرها”.

وبحسب المعالج، فإن ذلك لا يعني أن المريض لا يمكنه التعافي من صدمة ما بعد الحرب، ولكن لا بد من الخضوع لجلسات العلاج النفسي حتى يتمكن من تخطي الموضوع، والوقت كفيل في معالجة المرضى.