الرئيس أولاً.. أم الطائف؟

/ جورج علم /

السباق محموم ما بين: الرئيس أولاً.. أم الطائف؟

حتى الآن، لا رئيس وفق الطائف! سمير جعجع يريده رئيس مواجهة. وليد جنبلاط يريده الياس سركيس آخر. جبران باسيل يريده بعد مخاض  تسوية، والتسوية بطائف آخر لا يشبه الحاضر بشيء. رئيس المجلس السياسي في “حزب الله”، السيّد هاشم صفي الدين يقول: “لبنان الذي كان، إنتهى. تفضلوا للتفاهم على لبنان الذي نريد”.

حتى المهندس البارع في فن تركيب الموزاييك السياسي اللبناني، والمؤتمن على إخراج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، والقادر على وضع الفول في المكيول، خرج من صف الوسطيّة، والاعتدال، الى التطرّف، واغتنم مهرجان صور، لينكأ الجراح، ويفتح معركة تصفية الحسابات.

من حقّه أن يقول ما يشاء، وينتقد الإعوجاج، أو من يخالفه المزاج، ولكن من حقّ العامة أن تقول “ما هكذا تورد الإبل”، ومن يريد رئيساً للجمهوريّة، وفق الدستور، وضمن المهلة الدستوريّة، وله حيثيّة مسيحيّة، وإسلاميّة، ووطنيّة… لا يهاجم، بل يهادن، ولا يقف عند المفترق، لا ليفرّق، بل ليجمع، ويوفّق، ويدوّر الزوايا الحادة لإنتخاب رئيس، وإبطال الفراغ، ومعه الفوضى.. وحفلات الجنون!

ما بدر منه، وعنه، لا يشير إلى هدنة، بقدر ما يشير إلى فتنة. يكفي أنه ألقى حجرا في البركة الراكدة، ليثير زوبعة من التموجات الغاضبة، الشاجبة. يكفي أنه أقرن الرواية المتداولة، بالحقيقة الصادمة، من أن اللبنانييّن عاجزون عن إنتخاب رئيس صنع في لبنان. وأن من ينفخ هكذا في البوق، لايريد نغماً شجيّاً لـ”العيّوق”، بقدر ما يريد تأجيج النار في “الواجوق”! لقد نجح فعلاً في إحراج البعض، وإخراجهم من تمسكنهم، ومراوغاتهم، إلى الإفصاح عمّا تضجّ به الرؤوس، وتختزن الصدور، وكان للأصوات العالية المنفعلة، أصداء عاقلة مترويّة عند أصحاب الحكمة والفضيلة، وعلى رأسهم مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي يعدّ مع كوكبة من ممثلي الطائفة مسودّة بيان سيكون له وقعه في الوجدان الوطني، وعند هذا المنعطف المصيري.

أن تتحرّك دار الفتوى، وعلى هذا النحو، وفي هذا الظرف المشبع بإستحقاقات وطنيّة حساسة تحاكي المستقبل والمصير، فذلك يعني ان الصمت أصبح تواطؤاً، والتريث والترفع، خيانة، في ظلّ المعادلة التي يصار الى تظهيرها على قاعدة “رئيس، بعد تعديل الطائف، ولا لرئيس وفق الطائف”.

أولى الصحوات، بدرت من خلال تغريدة بليغة لسفير المملكة العربيّة السعوديّة وليد البخاري، جاء فيها “ميثاق الوفاق الوطني، والذي أقرّه اللبنانيّون برعاية عربيّة، ودوليّة، ليس وهماً، ولا أحجية غامضة، فهو مصاغ بلسان عربي فصيح”.

واللسان العربي الفصيح سيتوّلى صياغة نصّ البيان الختامي الذي سيصدر عن دار الفتوى، إثر اللقاء التشاوري مع النوّاب المدعووين.

والحديث هنا يجول في الأبعاد والخلفيات، ويطول.

يؤكّد صاحب الحديث بأن دار الفتوى ليست بعيدة عن مدارك السعوديّة، وثوابتها، ومقاصدها، وبالتالي لا يمكنها القيام بأي تحرّك من شأنه أن يخدش شفافية “العرى الوثقى”، ولا أن يخرج عن الضوابط المعنويّة، وبالتالي فإن الاجتماع ـ في حال حصوله ـ سيكون بداية تحول جدّي في المشهد السياسي ـ الوطني العام، وتحديداً في الإستحقاق الرئاسي، وعلى قاعدة “الطائف حتماً. ورئيس وفق دستور الطائف حتما”.

يضيف: “إن نظريّة الإنقلابات على الدستور، والقوانين النافذة، التي يشهدها بلد عربيّ شقيق، لا يمكن أن تكون سارية المفعول في لبنان، الذي له خصوصيته المجتمعيّة، ورسالته، ودوره في محيطه. والإنقلابيّون هنا، إذا ما كان لهم من دور وحضور، فإن دورهم وحضورهم لن يكون جامعاً، بل مفتتاً للميثاق، والنظام، والكيان، وهذا ما يمكن أن يحفّز دار الفتوى، ومن ينهج نهجها، ويؤمن بثوابتها، على أن تكون “قلعة صمود وتصدي” لأي إنحراف، أو خلل، أو إنقلاب على صيغة العيش المشترك التي كرّسها الطائف بلسان عربي فصيح”.

على خطّ متواز ـ والمقاربة هنا صادقة ـ حدث، بعد خطاب مهرجان صور، ردّ فعل لدى نخب مارونيّة، لها حضور ثقافيّ، فكريّ، أكاديميّ منفتح، وهي خارج الإصطفافات الحزبيّة، والسياسيّة الراهنة.

إنطلقت المقاربة من “الرئيس القوي، ما له، وما عليه”، وفق قراءة متأنيّة، للمحطات البارزة، خلال ست سنوات دنت من الأفول. قراءة تتوخى المنطق، والموضوعيّة، والنقد البناء، وتؤكد على مسؤوليّة الرئيس وفق دستور الطائف، والصلاحيات المتبقية له، ومدى الصدقيّة في تحميله مسؤولية الإرتطام الكبير الذي بلغه لبنان، والذي دفع بكركي للعودة الى الوسطيّة، والبحث عن الرئيس الوسطي، كبديل عن الرئيس القوي.

ثمّة ملاحظات ثلاث، توقف عندها الباحثون:

الأولى: ميشال عون، من حيث المسؤوليات التي تولاّها، هو أقوى رئيس ماروني، يصل إلى سدّة الرئاسة، منذ الإستقلال حتى اليوم. تدرّج من ضابط في سلاح المدفعيّة، إلى قائد للجيش، إلى رئيس للحكومة، إلى رئيس أكبر كتلة نيابيّة، إلى رئيس للجمهوريّة. الأمر الذي لم يكن متاحاً لفؤاد شهاب، ولا  لكميل شمعون، ولا حتى لبشارة الخوري…

الثانيّة: لم يكن وسطيّاً في طائفته. كان طرفاً، وفريقاً، وتياراً، غالباً ما غرّد بعيداً خارج السرب، وكان له من الخصوم، بقدر ما كان له من الأنصار، والحلفاء.

الثالثة: أن يكون الرئيس القوي هو المسؤول، وتلقى على كاهله كل التبعات، ففي الأمر وجهة نظر. هل الخلل في الشخص، وأدائه فقط، أم في الصلاحيات التي نصّ عليها الطائف؟ إن مجرّد وجود خلل ما في الصلاحيات، فهذا يستدعي إعادة النظر، والتصحيح، وهذا ما يتذرّع به جبران باسيل، ومعه فريق من الموارنة، في الدعوة إلى رئيس يأتي نتيجة “تنقيح” الطائف، بديلاً عن رئيس يكون ضحيّة الممارسات العشوائيّة في تطبيق الطائف”…

لكن بأي ثمن؟ وهل يدخل لبنان عندها نفق الإنقلابات السارية المفعول في البلد الشقيق؟!

 

error: Content is protected !!