/ جورج علم /
تتفاعل مساحة من النقاش ضمن بيئة “حزب الله” حول أهميّة تقديم إنجاز لعهد الرئيس ميشال عون قبل مغادرته قصر بعبدا، إنطلاقا من ترسيم الحدود المائيّة، إلى تحرير استخراج الغاز والنفط من الضغوط الخارجيّة.
ينطلق النقاش من خلفيّة أخلاقيّة. حمل الرئيس مشروع المقاومة الى منبر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، وجامعة الدول العربيّة، ودفع ضريبة غاليّة نتيجة التزاماته، من استنكاف خليجي، إلى برودة عربيّة، إلى تجاهل دولي، إلى معارضة داخليّة تحوّلت لدى البعض إلى قطيعة ومقاطعة.
وينطلق من خلفيّة معنويّة. لا يجوز لرئيس حليف أن يخرج من القصر مشظّى بانتقادات، واتهامات حول ما وصلت إليه أحوال البلاد والعباد طيلة سنوات عهده، من دون أن يقدّم إنجازاً واحداً يحمل ذكراً طيباً. إن الفشل، إنما هو فشل للحزب، وخياراته، وعدم قدرته على توفير شبكة أمان لحليفه، وهذا ما قد ينعكس سلباً على صدقيته، ورصيده.
لقد قدّم الحزب باقة من الوعود المتصلة بالغاز، وحقوق لبنان المائيّة، وأخضع مصداقيته الى امتحان التنفيذ. فيما قدّم المسؤولون المزيد من التعويل على الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وسط تضارب في المواقف ما بين متفائل، ومتشائل حول ما قد تغرفه شبكة الترسيم من سمك وافر من بحر الناقورة. وفي الحالتين هناك فراغات واسعة حول جدّية التنسيق، والتشاور لتصليب الموقف، والإستعداد لكل الإحتمالات.
وبادرت “إسرائيل”، ردّاً على خطاب الحزب، إلى حراك واسع باتجاه عواصم دول القرار، قوامه احترام المواعيد، لجهة بدء الاستخراج من حقل “كاريش” إعتبارا من أيلول، واستكمال مشروع “غاز شرق المتوسط” باتجاه أوروبا، وتفعيل الشراكة مع الدول المنضوية في عضويّة “الصندوق الإبراهيمي”، حيث هناك مشوار طويل من الالتزامات الأمنيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة التي تمليها المصالح المشتركة.
وكشفت مراسلات رسميّة بأن المحادثات بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا، مع نظيره الأميركي جيك سوليفان، تخطّت الإتفاق النووي، وقدرة طهران على إمتلاك السلاح الإنشطاري، إلى ملف الترسيم، وتهديدات “حزب الله”، والخيارات المتاحة لحماية المصالح.
واستنادا الى المتداول، هناك نقاط أربع تمّ التوقف عندها:
- الترسيم بقوّة الوسائل الدبلوماسيّة ، لا بقوّة السلاح.
- أنفقت إسرائيل مليارات من الدولارات لحجز موقع لها إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وإيران، وتركيا، في ما يتعلّق باستثمارات الغاز والطاقة في الشرق الأوسط، وبالتالي غير مستعدة لأن تخطو خطوة الى الوراء، أو تقدم على قفزة نحو المجهول!
- إن سلاح الدبلوماسيّة قد مكّنها من ولوج عواصم عربيّة كبرى، وفتح أمامها مجالات التطبيع. وما حققته في غضون سنوات، لم تحققه على مدى عقود من العداوة المسوّرة بقوة السلاح. والصراع الجديد، لم يعد صراع دول، بل صراع مشاريع، ولكل مشروع دوله، وتحالفاته.
- إن المساعي التي يقودها رئيس حكومة تل أبيب مع الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي، الهدف منها توفير شبكة من الضمانات، وعلى قاعدة لكل عروس لبوسها، ولكل خيار علاجاته، ولكل احتمال مداركه.
بالطبع، إن ما تريده إسرائيل، وتسعى إليه، يسلّط الضوء على ما لدى الدولة اللبنانية، والحزب من إمكانات.
يقول وزير خارجيّة سابق، صاحب خبرة، وتجربة: لقد وضع لبنان كامل بيضه في سلّة هوكشتاين، لأن البديل غير متوافر. جسور التواصل شبه مدمّرة مع غالبيّة الدول الشقيقة، والصديقة. المبادرات المنقذة غير متوافرة، وكان رائداً في تعطيل المبادرة الفرنسيّة، وبدّد ما كان يملك من رصيد دبلوماسي ومعنوي لدى الدول الشقيقة، والصديقة، وتحوّل من دولة معتبرة، الى دولة فاشلة.
قواه المحليّة مشتة. ليس من إجماع وطني حول الغاز، والنفط، هناك مزايدات، وخلافات تحفر عميقاً في آبار الطائفيّة، والمذهبيّة، والفئويّة، والمناطقيّة. كلّ يغني على ليلاه، وكل طرف ينظر من زاوية مصالحه الضيقة. جلسات مجلس الوزراء تحولّت إلى مناكفات، في كلّ مرّة كان يطرح فيها الموضوع على بساط البحث. الدولة مفككة الأوصال، مؤسساتها متصادمة، لكل منها اجتهاداته وأعرافه المستحدثة على حساب الدستور، والقانون، وهذا ما مكّن “حزب الله” أن يكون حيث هو الآن في المضمار المحلي، الإقليمي، والدولي.
- هل يرسمل العهد في خريفه، بإنجاز الترسيم؟
- يجيب: الإحتمال ممكن. الطرفان ـ الحزب وإسرائيل ـ يؤكدان بأن أيلول هو شهر الحسم. الطرفان يستبعدان الحرب. مسالة السلم والحرب لا يقررها فرد، أو جماعة، بل مصالح كبرى، ودول قادرة على التلاعب بجغرافيات الكيانات والشعوب. وهذا التوجه ضعيف الإحتمال، لأن ثورات الربيع العربي، أفضت الى التطبيع. والتطبيع فتح أبواب وسيعة أمام تحالفات جديدة، فيما قنوات الإتصال شغالة. هناك لهجة أميركيّة مختلفة تجاه سوريا. هناك بداية حوار جدّي بين أنقرة ودمشق. هناك حوار لم ينقطع بين الرياض وطهران، هناك شبكة من الإتصالات المكثّفة ما بين طهران، والدوحة، وأبو ظبي، ومسقط، والكويت والمنامة، ويوازيها شبكة من المصالح التي بدأت تتعزز بين دول نادي الصندوق الإبراهيمي.
ويبقى أن أيلول هو شهر الحسم، فإن حصل توافق كان للحزب ما يقدمه للبنان واللبنانيين في نهاية عهد الرئيس عون، وإن لم يحصل، هناك عملية خلط أوراق واسعة قد تطال الإستحقاق الرئاسي. وعمليّة الترسيم، سترسم مسار الرئاسة، وربما يكون إنجاز الإستحقاق الأول، المفتاح، والمنطلق لإنجاز الإستحقاق الثاني!