“قنبلة” الدولار الجمركي.. “اعدام جماعي” للشعب!

/سارة طهماز/

مُنذ ما يقارب العام والدولة اللبنانية تتحدث عن ضرورة رفع الدولار الجمركي توازياً مع ما يناسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء، من منطلق أنها تتقاضى الضريبة الجمركية على سعر صرف 1500 ل.ل. بينما سعر السوق مضاعف، ومن باب أنها غير قادرة على دفع أجور الموظفين، شرّعت حكومة تصريف الأعمال لنفسها من أبواب عدة أن تضاعف الدولار الجمركي، فيما لبنان وشعبه غارقين بالأزمات، عقد مجلس الوزراء اجتماعا تشاورياً استثنائياً لاتخاذ هذا القرار، كأن ما يمر به المواطن من أزمة دولار، محروقات، خبز، كهرباء، واللائحة تطول، لم يكن دافعاً لاجتماعٍ مماثل.

ارتمى المواطن اللبناني منذ العام 2019 على “مشرحة الفقر والعوز”، يعيش حياته يوماً بيوم ولا يكاد يؤمن قوت يومه وحاجات عائلته، هذا إذا توفرت فرص العمل براتب يلبي أدنى متطلبات الحياة الكريمة، ليأتي التوجه الحكومي برفع الدولار الجمركي ليقضي على ما تبقى من مقومات صمود وآمال للمواطن. فالدولار الجمركي رغم التطمينات التي تطلقها الحكومة التي لم تتبع سياسة اقتصادية سليمة لمعالجة الأزمة، سيدفع ثمنه المواطن من جيبه، أضعافاً مضاعفة.

فعلى الرغم من تطمينات المسؤولين بأن رفع الدولار الجمركي لن يؤثر على أسعار السلع الأساسية الحياتية المستثناة من التعديل، إلا أن المواطنين فقدوا الثقة تماماً بالدولة واجراءاتها التي دائماً ما تنقلب عليهم وتزيد من معاناتهم لتجعلهم تحت رحمة جشع التجار والمهربين ومحاصرين بغلاء يطاول لقمة عيشهم وحتى رغيف خبزهم في ظل غياب الرقابة وبُعد التدابير المُتخذة عن أي خطط شاملة إصلاحية.

مصادر مواكبة للمناقشات الحكومية حول ملف الدولار الجمركي والموازنة، تحذر من أن تمرير الدولار الجمركي وفق سعر 20 ألفاً، سيفجر قنبلة اجتماعية واقتصادية كبرى، لن ينجو منها أغلب الشعب اللبناني لا سيما ذوي المداخيل المحدودة كمعظم موظفي القطاع العام والأجراء والمياومين ونسبة كبيرة من موظفي القطاع الخاص، ما يعني أن الحكومة تُمعِن بإفقار المواطنين بقرار أشبه بـ”إعدام جماعي” للشعب.

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد جابر، في حديث لموقع “الجريدة”، أن “رفع سعر الدولار الجمركي إلى العشرين ألفاً يترك انعكاسات سلبية، فالدولة اللبنانية أقدمت على هذه الخطوة ظناً منها أنها ستزيد وارداتها، لكن ما هو حقيقي أنه سيزيد من التهرب الضريبي وتهريب السلع إلى الخارج، وبالتالي حصيلة الواردات ستكون قليلة. فالأجدى هو تحديد ضريبة مقبولة لجهة المواطن، وإلاّ فإن الهدف المالي لن يتحقق”.

أما من الناحية النقدية، فهذه الخطوة ترتب زيادة الطلب على الليرة، وبالتالي هل يستطيع السوق النقدي أن يلبي الزيادة الطارئة؟ يجيب جابر “حتماً لاً.. هذا الأمر سيدفع المصرف المركزي لطبع عملة إضافية مما سيزيد التضخم”.

ويسأل جابر: “معظم اللبنانيون يتقاضون رواتب على سعر الصرف القديم (1500 ل.ل.)، فهل يجوز أن يدفعوا ثمن السلع على الـ 20 ألفاً؟”. هذا أيضاً يشكل تآكلاً إضافياً للقدرة الشرائية، ما يحتم على الدولة أن تحدث حالة توازن وترفع أجور الموظفين لكي تتلاءم مع الزيادة الجمركية”.

ومن الناحية الاجتماعية يؤكد جابر أن الأسعار سترتفع حكماً 13 ضعفاً، لا سيما وأن اقتصاد لبنان ريعي ولا يعتمد على الصناعة والزراعة مع استيراد 80% من السلع، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي تاَكل إضافي في القدرة الشرائية لدى المواطن، وبالتالي سينعكس هذا الأمر تراجعاً في مستوى معيشة المواطن، كما سيؤدي إلى تفاوت اجتماعي، لأن المستهلك هو من سيدفع ثمن هذا الموضوع، كون التاجر من المستفيدين.

لجهة البعد الاقتصادي فيبين جابر أن رفع الدولار الجمركي سيؤدي إلى تاَكل القدرة التنافسية للإنتاج الوطني، حيث سيدفع المُصنّع كلفة المواد الأولية على الـ 20 ألفاً، مما يزيد من كلفة المنتَج، ويقلل من القدرة التنافسية. في مكان ما، رفع الدولار الجمركي يستخدم كإجراء حمائي لحماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية، ولكن لعدم وجود إنتاج لبناني وعدم قدرة قطاعي الزراعة والصناعة على حماية نفسهما، ستزيد الأعباء المترتبة عليهما لناحية غلاء المواد الأولية والأسعار مرة جديدة، فتضعف لديهما القدرة التنافسية.